للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأمراء المتمرسين في زمانه بالحرب، والمشهورين بمداومة الطعن والضرب.

وَلَّى وَكُلُّ مُخالِمٍ وَمُنَادِمٍ بَعدَ ... اللُّزومِ مُشبِّعٌ وَمُودِّعُ

قَدْ كانَ فِيهِ لِكُلِّ قَومٍ مَلجأٌ ... وَلِسَيفِهِ في كُلِّ قَومٍ مَرتَعُ

المخالم: المصادق، والمنادم: المشارب، والمرتع: الموضع السري المتمكن الرعي.

فيقول، وهو يريد فاتكا: ولى عند النهوض به إلى قبره، والتقديم إلى لحده، وكل من أمله وخالمه، وعول عليه ونادمه، مشيعون له غير مؤانسين، ومودعون غير ملازمين.

ثم قال: قد كان فيه لكل من والاه وأطاعه ملجأ يتمسك بعصمته، وكان لسيفه في كل من عصاه وخالفه مرتع يروع القلوب بسطوته.

إنْ حَلَّ في فُرسٍ فَفيها رَبُّهَا ... كِسرى تَذلُّ لَهُ الرِّقابُ وَتَخضَعُ

أَو حَلَّ في رُومٍ فَفِيها قَيصَرٌ ... أو حَلَّ في عُربٍ فَفِيها تُبَّعُ

يقول: أن فاتكا كان معظما في كل أمة، معترفا بفضله في جل فرقة، فأن حل بين الفرس، لحظته العين التي كانت تلحظ بها كسرى، رب ملكها، والمنفرد بتدبير أمرها، فخضعت الفرس لطاعته، واعترفت برفعته وجلالته.

ثم قال على نحو ما قدمه: وأن حل بين الروم أحلته محل قيصر ملكها المقدم، ومتوجها المعظم، فاحتملت على حكمه، وسلمت لأمره، وأن حل بين العرب كان كتبع، متوج جماعتها، والمتقدم في رئاستها، ولا يدفع فضله، ولا يخالف أمره، فأشار إلى أن فاتكا كان مقدما في جميع الأمم، محرزا لغاية البأس والكرم.

قَدْ كَانَ أَسرَعَ فَارِسٍ في طَعنَةٍ فَرَساً، ... وَلكنَّ المَنِيَّةَ أسرَعُ

لا قَلَّبتْ أيدي الفَوارِسِ بَعدَهُ رُمحَاً، ... ولا حَمَلَتْ جَواداً أَربَعُ

يقول: وهو يريد فاتكا: قد كان أسرع الفرسان فرسا إلى الطعن، وأشدهم إقداما على تقحم غمرات الحرب، ولكن المنية أسرع في إدراك ما تقصده، وأقرب إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>