للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أيضا بالكوفة يرثيه، وكتب بها.

حَتَّامَ نَحنُ نُسَارِي النَّجمَ في الظُّلَمِ ... وَمَا سُراهُ على خُفٍّ ولا قَدَمِ؟

وَلا يُحِسُّ بِأجفانٍ يُحِسُّ بِها ... فَقدَ الرُّقادِ غَرِيبٌ باتَ لَمْ يَنَمِ

الكسارات: المفاعلة من السرى، وهو سير الليل، والنجم: واحد النجوم، وقد يراد به الجميع، ويخبر عنه على ذلك، قال الله عز وجل: (والنجم إذا هوى)، قال اكثر أهل التفسير: أنه أقسم بغروب النجوم، والخف للجمل كالقدم للرجل، وكالحافر للدابة.

فيقول مستطيلا لأسفاره، ومنبها على كثرة رحله: إلى متى ترقب النجوم وتصحبها، وتجاريها في قطع الظلام وتمتثلها، وشأننا في ذلك غير شأنها، وسبيلنا غير سبيلها؛ لأنها ليست بذات خفاف فتتألم السير، ولا بذوات أقدام فتتهيب الليل، فنحن وإبلنا تتشكى من السرى، ما لا تحفل النجوم بمثله، وتتوجع منه لما هي مجبولة على فعله.

ثم قال على نحو ما قدمه: ولا تحس النجوم طول السهر، وفقد النوم في السفر، بأجفان يحس بها غريب شارد النوم، متعب متغير الحال. فأشار بما ذكره من مسارات النجوم إلى اتصال رحله، وبما هو عليه من قلة النوم إلى شدة ألمه.

تُسَوِّدُ الشَّمسُ مِنَّا بِيضَ أَوجُهِنَا ... ولا تُسَوِّدُ بِيضَ العُذرِ واللِّمَمِ

وَكَانَ حَالُهُما في الحُكمِ وَاحِدٌ ... لو احتَكَمنَا مِنَ الدُّنيا إلى حَكَمِ

وَنَتركُ المَاَء لا يَنفَكُّ مِنْ سَفَرٍ ... ما سَارَ في الغَيمِ مِنهُ سَارَ في الأدَمِ

العذر جمع عذار، وهو شعر العرض، واللمم: جمع لمة، وهي ما يكثر من شعر الرأس، فيزيد على الوفرة، والغيم: النوء الذي يكون عن تكاثف السحاب، والأدم: جلود يصنع منها القرب وغيرها.

فيقول: تسود الشمس منا فيما نعانيه من الرحيل، وما تتكلفه من السفر، بياض وجوهنا، وتذهب بنضرة جمالنا، وتبقي الشيب فلا تغيره، وتعرض عنه فلا تسوده

<<  <  ج: ص:  >  >>