للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تناقلا عما نأمله، وسرعا إلى ما تكرهه، وإيذانا بفناء العمر، وتنبيها على اقتراب الهرم.

ثم قال مشيرا إلى اتصال أسفاره: ونترك الماء على ما نحن عليه من مداومة الترحل، ومعاناة السفر والتنقل، فما كان منه في السحاب فأودعته الأرض بانسكابها به، وصيرته في بطونها بأمطارها له، تزودنا مستكثرين، وحملناه غير مستبدين، فما كان ينتقل منه في السحاب المستعلية، نقلناه في المزواد والأسقية.

لا أُبغِضُ العِيسَ لكِنَّي وَقَيتُ بِهَا ... قَلبِي مِنَ الحُزنِ أو جِسمِي مِنَ السَّقَمِ

طَردتُ مِن مِصر أَيديها بأَرجُلهِا ... حَتَّى مَرَقنَ بِنا مِن جَوشَ والعَلَمِ

تَبري لَهُنَّ نَعَامُ الدُّوِّ مُسرَجَةً ... تُعارِضُ الجُدُلَ المُرخَاةَ باللُّجُمِ

العيس: الجمال البيض، وهي من كرائم الجمال، ومرقن: يعني خرجن، يقال: مرق السهم من الرمية؛ إذا خرج عنها، وجوش والعلم: موضعان معروفان، وتبري: تعرض، والجدل: أزمة الجمال التي تقاد بها، واحدها جديل.

فيقول مشيرا إلى تخلصه من كافور، ومواصلته بالسير من مصر إلى أرض العراق: لا أبغض العيس ولا أنكر فضلها، ولا أزال أتشكر فعلها، وقد وقيت بها قلبي ما كان يحبه من الحزن، وكفيت بها جسمي ما كان يتوقاه من السقم. يشير إلى أن الإبل التي تخلص بها من مصر، وفات بها من كافور، استوجبت الشكر؛ لأنها استنقذته مما كرهه، وأدرك عليها ما حاوله ورغبه.

ثم قال مشيرا إلى شدة سيره، واعتزامه على ما حاوله من أمره؛ قرنت أيدي هذه الإبل بأرجلها، استعجلها بغاية الجهد للطلب الذي كنت أحذره، وسوء مذهب كافور الذي كنت أتيقنه، حتى مرقن بنا من جوش والعلم، فأمنت ما حذرت، واستبعدت ما كرهت.

ثم قال: تبري بهذه الإبل الخيل التي جنبناها مسرجة، وتعترض جدلها باللجم

<<  <  ج: ص:  >  >>