للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

متصرفة، وكنى عنها بنعام الدو، مشيرا إلى ما كانت عليه من سرعة السير، وما كلفها فيه من وجهته من ملازمة القفر، والعرب تضرب المثل بالنعام في السرعة فيقولون لمن أفرط في الهرب: (أشرد من ظلم)، و (شالت نعامة بني فلان)، وللنعام في القوة على ملازمة الفلوات حال لا تجهل، وقوة لا تنكر، فكنى عن الخيل التي جنبها في وجهتها بهذا الاسم، ووسمها لنفاذها في ملازمة القفر بهذا الوسم.

في غِلمَةٍ أَخطَروا أرواحَهُمْ وَرَضوا ... بِمَا لَقينَ رِضَى الأيسَارِ بالزَّلَمِ

تَبدو لَنَا كُلَّما أَلقوا عَمَائِمَهُمْ ... عَمَائِمٌ خُلِقَتْ سُودَاً بِلا لُثُمِ

بِيضُ العَوَارِضِ طَعَّانينَ مَنْ لَحِقُوا ... مِنَ الفَوَارِسِ شَلاَّلِينَ لِلنِّعَمِ

الخطر: الغرر، وأخطر الرجل نفسه: إذا عرضها لذلك، والأيسار: الذين يقترعون في الميسر، والزلم: قدح لا ريش له، وقداح الميسر كذلك، وكل واحد من الأيسار مسلم لما يصيبه بالقدح الذي يخرج له، واللثم: جمع لثام، وهو ما ستر الفم من مقنع أو عمامة، والعوارض: جمع عارض، وهو الذي يصل بين الرأس واللحية من الشعر، والشل: الطرد، والنعم: الإبل تختلط بالغنم وسائر الماشية.

فيقول: أنه قطع القفر الذي قدم ذكره، في غلمة رضي صحبتهم، وخبر إقدامهم وجرأتهم، فأخطروا معه أنفسهم مغررين، وتقحموا مكروه المخافة موطنين، ورضوا بما تجشمته خيلهم وركائبهم غير متسخطين، رضى الأيسار بالزلم الذي لا يخالفونه، وعلى نحو تسليمهم بحكمه الذي لا يتكرهونه.

ثم قال واصفا للقوم الذين صحبهم بالإقدام والشدة، والاقتبال والقوة: تبدو لنا منهم، كلما ألقوا عمائمهم، وحسروا عن رؤوسهم، عمائم من شعورهم، سود لا يتلثم بمثلها، باقية على حقيقة خلقها. وأشار بسواد شعور رؤوسهم إلى أنهم لم يخلقوا بالشيوخ الذين تضطرب أمورهم، ويقعد بهم السن فتضعف جسومهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>