ثم أكد ما قدمه فقال: أنهم بيض العوارض مع سواد شعر رؤوسهم. فأشار إلى اكتهال أسنانهم، وإحرازهم الكمال في جملة أحوالهم. ثم وصف غناءهم وشدتهم، وبأسهم وجرأتهم، فقال: أنهم طعانون بمن لحقوه من الفوارس عند حملاتهم، شلالون لما يستاقونه من النعم في غاراتهم. فدل بقوله:(طعانون من لحقوا) على ضعف الأعداء عن موافقتهم، وبما وصفهم به من شل ما يستاقونه، على عجز من أغاروا عليه عن متابعتهم.
القنا: قصب الرماح، واحدها قناة، والهمم: جمع همة، وهي مراد الإنسان، وما تنزع إليه نفسه، والجاهلية: التصرف على غير أحكام الشريعة والشهر الحرم: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم، وكانت العرب في جاهليتها لا تستحل القتال في هذه الأشهر، وناشوا: تناولوا، والبهم: جمع بهمة، وهو الشجاع الذي لا يدري من أين يقصد في القتال لهيبته.
فيقول: أن الفرسان الذين قدم ذكرهم قد بلغوا برماحهم، بكثرة استعمالهم لها في الطعن، وتصريفهم إياها في شدائد الحرب، فوق ما تطيقه، واكثر مما تحتمله، فلا تزال في تلك الملاحم تنكسر، وفي تلك الوقائع تنحطم، وهي مع ذلك لا تبلغ الغايات التي تطمح إليها هممهم، والحدود التي ترضى ببلوغها أنفسهم.
ثم قال: أنهم لتمرسهم بالحروب، ومداومتهم للقتال والقتل، في مثل أحوال الجاهلية، إلا أن أنفسهم بتلك الرماح وما تكسبهم من العزة، وما يتيقنون بها من الظهور والقدرة، في مثل الأشهر الحرم التي كان أهل الجاهلية لا ينتهكون بالقتال عظيم حرمتها، ولا يزالون آمنين في مدتها.