ثم قال: تنالوا الرماح وهي خرس لا أصوات لها، وصوامت لا يظن الصياح بها، فكسروها عند مطاعنة الأقران، وأكرهوها في أجسام بهم الفرسان فحكت أصوات الطير عند تقصفها، ولم تبعد منها في حين تحطمها.
تَخدِي الرِّكابُ بِنَا مَشَافِرُها ... خُضراً فَرَاسِنُها في الرُّغلِ واليَنَمِ
الوخد: ضرب سريع من السير، والركاب: الجمال التي يتحمل عليها، والمشافر للإبل كالجحافل للخيل، وهي ما تتناول العلف به من أفواهها، والفراسن: جمع فرسن، وهو (لحم) على خف البعير. والرغل والينم: نبتان، والمعكوم: المغلوب، أستعير له من الذي يجعل الكعام في فمه فلا يتكلم، وقريع القوم: سيدهم.
فيقول: تخدي الركاب بنا مسرعة، ونقطع بها الفلوات مستعجلة، ومشافرها بيض باللغام الذي تقذف به من أفواهها، وفراسنها خضر بالنبت الذي تطؤه في طرقها، فأشار بكثرة ما تقذفه الإبل من اللغام إلى استعجالهم لها، وبكثرة العشب في طرقهم إلى قلة المرور بها.
ثم قال، وهو يشير إلى الإبل: معكومة عن الهدير بشدة السير، مشغولة عنه بسياط القوم تضربها عن منابت العشب، وما تخيم عليه العرب من ذلك في البلد القفر، ونحن نعتمد ملوك الأمصار، أرباب النعم، والذين في أيديهم منابت الكرم.
ثم قال مستطردا إلى ذكر فاتك: وأين منبت الكرم بعد أبي شجاع، منبته ومألفه، وشقيقه ومحالفه، قريع العرب والعجم، والمحرز لغابات الفضل والكرم؟!.
لا فَاتِكٌ آخَرٌ في مِصرَ نَقصِدُهُ ... ولاَ لَهُ خَلَفٌ في النَّاسِ كُلِّهِمِ
مَنْ لا يُشابِهُهُ الأحيَاءُ في شيمٍ ... أَمسَى تُشابِهُهُ الأَمواتُ في الرِّمَمِ
عَدِمتُهُ وكَأَنَّي سِرتُ أَطلُبُهُ ... فَمَا تَزيدُنِي الدُّنيا على العَدَمِ