للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ألونك أسود حالك سواده، أم هو أبيض ناصع بياضه؟ ومن جهل مثل هذا من نفسه، لم تكن به هدية في شيء من أمره.

وَيَذكرُني تَخييطُ كَعبِكَ شَقَّهُ ... وَمَشيُكَ في ثَوبٍ مِنَ الزَّيتِ عَارِيا

وَلَولاَ فُضولُ النَّاسِ جِئتُكَ مادِحَاً ... بِمَا كُنتُ في سِرِّي بِهِ لَكَ هاجِيَا

فَأصبَحتَ مَسرُوراً بِما أَنا مُنشِدٌ ... وإن كَانَ بالإنشَادِ هَجوُكَ غَالِيَا

تخييط الكعب: ظهور آثار الشقوق الملتئمة فيه كالخيوط في بياضها واندماجها.

فيقول، وهو يريد كافورا: ويذكرني تخبيط كعبك بشقوقه في حين مهنتك، وما كنت عليه زمان عبوديتك، ومشيك عاريا في ثوب من الزيت الذي كنت تواصل الإدهان به، وتكثر الاستعمال له.

وخصيان النوبة في حين جلبهم إلى مصر، يساقون عراة؛ ليس عليهم غير جلود تستر عوراتهم، ويكثرون من الإدهان بالزيت، ليلينوا بذلك ما جف من جسومهم، فأشار أبو الطيب لكافور إلى تلك الحال التي تصرف في بؤسها، وتقلب في دناءتها، وقال: (في ثوب من الزيت) على سبيل الاستعارة؛ لأن الزيت لما شمل جسمه صار كالثوب له.

ثم قال مخاطبا له: ولولا فضول الناس، وأني لا آمن على أن ينبهوك على ما لا تعلمه، ويشرحوا لك ما لا تفهمه، لأنشدتك هجوك على طريق المدح وأنت لا تفهم، وأجزت ذلك عليك وأنت لا تعلم.

ثم قال: فكنت تصبح مسرورا بما أنشده من هجوك، وأوفق الصدق بذلك في وصفك، وأن كان هجوك غاليا يتكلف (ما) لا تشاكله، ومتواضعا عن إشغال الفكر به.

فَإنْ كُنتُ لا خَيراً أَفَدْتُ فَإنَّني ... أَفَدتُ بِلَحظِي مِشفَرَيكَ المَلاَهِيَا

وَمِثلُكَ يُؤتَى مِن بِلادٍ بَعيدَةٍ ... لِيُضحِكَ رَبَّاتِ الخُدُورِ البَوَاكِيَا

<<  <  ج: ص:  >  >>