للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونبتدي بما هجا به كافورا الأسود، فنرتبه على ما قال في أوقاته. فمنه أنه دخل عليه بعد إنشاده: (كفى بك داء أن ترى الموت شافيا)، فلما سلم عليه ضحك في وجهه، وأراد القيام، فنظر إلى شقوق في رجليه لما لبس النعل فقال:

أُريكَ الرِّضَا لو أَخفَتِ النَّفسُ خَافِيا ... وَمَا أَنَا عَن نفسِي ولا عَنكَ رَاضِيا

أَمَينَاً وإخلافَاً وَغَدراً وَخِسَّةً ... وَجُبنَاً؟ أَشخصَاً لَحتَ لي أَم مَخَازيا؟!

الخافي من الأشياء: الذي يبدو ويظهر، والخفي: الذي ينطوي ويستتر، والمين: الكذب.

فيقول، وهو يريد كافورا: أريك من نفسي الرضا بقصدك، والاغتباط بما يكون من فعلك، لو أخفت النفس ما هو ظاهر من تكرهي لك، وطوت قدمي على ما ظننته من الجميل بك، وما أنا مع ما أظهره راضيا عنك، للدناءة التي خبرتها منك، ولا عن نفسي لسوء ما تخيرته فيك.

ثم قال: جمعت الإخلاف واليمن والخسة والغدر والدناءة والجبن، فما أدري أن كنت جثة منصوبة أو مخازي مجموعة؟!.

تَظُنُّ ابتِساماتِي رضجَاءً وغِبطَةً ... وَمَا أَنَا إلاَّ ضاحِكٌ مِنْ رَجَائِيا

وَتَعجِبُنِي رِجلاَكَ في النَّعلِ إنَّني ... رَأيتُكَ ذا نَعلٍ وَإنْ كُنتَ حَافِيا

وَإنَّكَ لا تَدري أَلونُكَ أَسودٌ ... مِنَ الجَهلِ أم قَد صَارَ أبيَضَ صَافِيا

يقول، وهو يخاطب كافورا: أتظن ما أظهره من الفرح والتهلل، وآوي إليه من الضحك والتبسم، رجاء فيك، وغبطة بك، وجنوحا إليك، وإخلاصا لك، وما أنا إلا ضاحك من الرجاء الذي عدل بي إليك، والرأي المخطئ الذي قصر أملي عليك.

ثم قال، وهو يخاطبه: وتعجبني رجلاك وأستغربهما، ويطول ضحكي عند تأملها؛ لأني أراها، وإن كنت حافيا، في نعلين من جفاء جلدتهما، وواقيتين من خشونة خلقتهما.

ثم قال: ورأيتك لا تدري، لشدة جهلك، وما أنت عليه بسبيله من عمى قلبك،

<<  <  ج: ص:  >  >>