للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

له.

ثم قال: حصلت بأرض مصر بين عبيد متغلبين وسوق معتدلين، كأن الحر فيهم يتيم مغلوب على أمره، ضعيف لا يدفع الضر عن نفسه.

ثم قال مشيرا إلى كافور: كأن الأسود اللابي، المتغلب على ملكهم، المنفرد بتدبير أمرهم، بين من يستضيف إليه من أصناف العبيد، اللذين هم أنصار دعوته، وأشباهه في دناءته، غراب يتجند بالبوم والرخم، ولا ينسب هو ولا من حوله إلى شيء من الكرم.

أُخِذتُ بِمَدحِهِ فَرَأيتُ لَهوَاً ... مَقَالِيَ لِلأحَيمَقِ يا حَليِمُ

وَلَمَّا أَن هَجَوتُ رَأيتُ رَأيتُ عَيبَاً ... مَقَالِي لأبنِ آوَى يا لَئِيمُ

فَهَلْ مِن عَاذِرٍ في ذا وفي ذا ... فَمَدفُوعٌ إلى السُّقمِ السَّقِيمُ

إذا أَتَتِ الإساَءةُ مِنْ وَضيعٍ ... وَلَمْ أَلمُ المُسِيَء فَمَنْ أَلُومُ؟!

الحليم: الوافر العقل، الواسع الصدر، وأبن آوى: دويبة ضعيفة حقيرة، واللئيم: الدنيء الساقط.

فيقول مشيرا إلى كافور: دفعتني الأيام إلى مدحه، وامتحنتني بقصد مثله، فرأيت بابا من اللهو، وضربا من ضروب الهزء، أن أصفه بالحلم مع بيان سخفه، وبالرجاحة مع ظهور ضعفه.

ثم قال: ولما أن أخذت في هجوه وعدلت إلى ذمه، رأيت من العي أن أدل من عيوبه على ما لا يجهل، ومن نقصانه على ما لا ينكر فأصير كمن يحتقر أبن آوى ولا أحد يستعظمه، ويسترذله ولا أحد من الناس يستنبله.

ثم قال: فهل من عاذر لي في الأمرين اللذين عاينتهما من مدحه وذمه، وتقريظه وهجوه؟ فلم أك في ذلك إلا في قبض الاضطرار، وغير جار على شيء من وجوه الاختيار.

<<  <  ج: ص:  >  >>