للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أيضاً:

أَمَا فِي هذهِ الدُّنيا كَرِيمُ ... تَزُولُ بِهِ عَنِ القَلبِ الهُمومُ؟!

أما في هذهِ الدُّنيا مَكَانٌ يُسَرُّ ... بِأَهلهِ الجَارُ المُقيمُ؟!

تَشَابَهَتِ البَهَائِمُ والعِبِدَّى عَلَينا ... والمَوَالِي والصَّمِيمُ

البهائم: ذوات الأربع وما أشبهها، والعبدى: جماعة العبيد على غير قياس واحده، والصميم: الخالص من كل شيء.

فيقول: أما في هذه الدنيا كريم يسكن إليه، وذو فضل يعول عليه، تزول بموضعه هموم النفس وتبعد، وتستدفع عنها المكاره وتطرد؟.

ثم قال: أما في هذه الدنيا مكان صالح يسكن العاقل إلى مثله، ويسر بما يباشره من حسنه، ويتأنس الجار المقيم فيه بعوائد فضله، ويغدو ويروح متشكرا لأهله؟!.

ثم قال: تشابهت البهائم فيه والعبدى لعدم العقول، وتساوت الطائفتان في قصر العلوم، وصار صميم القوم ومواليهم أشكالا في تواضع الهمم، وأشباها يعتقدونه بالإعراض عن الكرم.

وَمَا أَدرِي إذا دَاءٌ حَدِيثُ ... أَصَابَ النَّاسَ أَمْ دَاءٌ قَدِيمُ؟!

حَصَلتُ بأرضِ مِصرَ على عَبِيدٍ كَأَنَّ ... الحُرَّ بَينَهُمُ يَتِيمُ

كَأَنَّ الأسوَدَ اللاَّبِيَّ فِيهِمْ غُرَابٌ ... حَولَهُ رَخَمٌ وَبُومُ

اللابي: منسوب إلى اللابة وهي الحرة، والحرة: أرض تلبسها حجارة سود، فنسب السودان إليها على سبيل المجانسة في اللون. روى أبو عبيدة أن العرب تقول في الحرة: لابة ولوبة، وإلى ذلك نسب السودان، وروى غيره لابة، والرخم والبوم: ضربان معروفان من الطير يماثلان الغربان في تكره الناس لهما، واستيحاشهم من أصواتهما.

فيقول: وما أدري أهذا الذي أصاب الناس، من محبتهم برئاسة العبدان، وأهل الزهادة في التفضل والإحسان، داء حديث طرقوا به، أو أمر قديم عرضهم الزمان

<<  <  ج: ص:  >  >>