للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الضحك كالبكاء عند النظر والتبين، والإحتمال على حقيقة التأمل.

ثم قال، وهو يريد ابن حنزابة، وكان مولعا بتتبع أنساب العرب: بها نبطي من أرض السواد قد جعل مطالعة أنساب العرب علمه، وقصر على الاعتناء بها نفسه، فهو يدرس أنساب أهل البادية ويتعلمها، ويبحث عنها بجهده ويتفقدها، والعرب ليسوا من صنفه، والاعتناء بأنسابهم ليس من شأن مثله.

ثم قال: وبها من كافور مدبر أمرها، ومصرف ملكها، أسود، مشفره لعظمه نصف جسمه، وبصر الناظر إليه تقذى لقبحه، وهو مع ذلك يغالط في امره، ويكذب عن نفسه، ويقال له: أنه إنما يماثل البدر في الحسن والبهجة، ويساويه في العلو والرفعة.

وَشَعرٍ مَدَحتُ بِهِ الكَركَدَنَ ... بَينَ القَريضِ وَبَينَ الرُّقَى

فَمَا كَانَ ذلِكَ مَدحَاً لَهُ ... وَلكِنَّهُ كان هَجوَ الوَرَى

وَمَنْ جَهِلَتْ نَفسُهُ قَدرَهُ ... رَأى غَيرُهُ مِنهُ ما لا يَرَى

الكركدن: دابة تكون بأرض الهندن مستشنعة الصورة، متفاوتة الخلق، شبه بها كافورا في اضطراب خلقه، وتناهي قبحه، والقريض: الشعر، والرقى: جمع رقية، وهي المعاذة.

فيقول: ومن أعاجيب مصر شعر مدحت به كافورا، الذي هو كالكركدن في قبح صورته، واستكراه العيون لطلعته، وكان ذلك الشعر بين القريض فيما ظاهرت به من مدحه، وبين الرقى فيما استدفعت به من شره.

ثم قال: فما كان ذلك مدحا خلصته له، ولا ثناء أعتد به، ولكنه كان هجوا للورى بجملتهم، واستهجانا لهم بكليتهم، إذ صار مثله فيهم ملكا يغتنم قصده، ومرجوا يؤمل رفده.

ثم قال على سبيل المثل، مشيرا إلى ما كافور عليه بن الجهل لنفسه، والغلط في

<<  <  ج: ص:  >  >>