للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حاوله في جهتنا من مكره، وقد نام قبل ذلك جهلا بما نديره، وعمى عن معرفة ما نقصده، لا نوم حقيقة تغلبه على عقله، وتمنعه من التبيين لأمره.

ثم قال: وكان مع قربنا منه في رأي العين، واتصالنا به على ظاهر الحال، يبعد عنا بجهله، ويعمى عما يديره بقصر عقله، حتى كان بيننا وبينه مهامه لا تسلك، لبعد غايتها، وفلوات لا تعبر، لطول مسافتها.

لَقَدْ كُنتُ أَحسِبُ قَبلَ الخَصِيَّ أَنَّ ... الرُّؤُوسَ مَقَرُّ النُّهى

فَلَمَّا نَظَرْتُ إلى عَقلِهِ ... رَأيتُ النُّهَى كُلَّها في الخُصَى

النهى: العقل، وهو جمع نهية، والنهية: ما ينتهي في الأمور.

فيقول، وهو يشير إلى كافور: ولقد كنت أحسب قبل مشاهدة الخصي، أن الرؤوس تضم العقول وتجمعها، وتشتمل عليها وتتضمنها.

ثم قال: فلما خبرت كافورا في جملة أمره، وتبينت ما هو عليه من قصر عقله، علمت أن الخصى معدن العقول، وأن عليها مدار التحصيل، فمن عدمها فلا تحصيل له، ومن فقدها فلا يظن شيء من العقل به.

وَمَاذا بِمِصرَ مِنَ المُضحِكاتِ وَلكِنَّهُ ... ضَحِكٌ كَالبُكَا

بِهَا نَبطِيٌّ مِنْ أهلِ السَّوادِ ... يُدَرِّسُ أَنسَابَ أهلِ الفَلاَ

وَأسوَدُ مِشفَرُهُ نِصفُهُ يُقالُ ... لَهُ أنتَ بَدرُ الدُّجَى

النبط: صنف ن العجم ينزلون سواد العراق، واحدهم نبطي، وأراد ها هنا الوزير ابن حنزابة، وهو جعفر بن الفضل بن الفرات، وكان على بنت الإخشيد مولى كافور، فعرض به، ونسبه إلى أصله، بنو الفرات من أعقاب من أسلم من النبط. والفلا: جمع فلاة، وهي الأرض المقفرة، والمشفر: الشفة الضخمة، استعارها لكافور من الجمل؛ لأن المشفر من الجمل كالشفة من الرجل.

فيقول: وماذا بمصر من الأمور المضحكة، والأعاجيب المستغربة، وأن كان ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>