للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أيضاً:

وأَسْوَدٌ أَمَّا القَلبُ مِنهُ فَضَيِّق ... نَخِيبٌ وَأَمَّا بَطنُهُ فَرَحِيبُ

يَمُوتُ بِهِ غَيظَاً على الدَّهرِ أَهلُهُ ... كَمَا مَاتَ غَيظَاً فَاتِكٌ وَشَبِيبُ

النخيب: الضعيف، وهو فعيل بمعنى مفعول، وفاتك: هو فاتك الإخشيدي الذي رثاه أبو الطيب وامتدحه، وشبيب (هو) ابن جرير العقيلي الذي خرج في الشام على كافور، وهلك بدمشق في خروجه ذلك، ونظم في أمره أبو الطيب قصيدة.

فيقول، وهو يريد كافورا: (وأسود أما القلب منه فضيق)، بعدم حلمه، نخيب لتمكن جبنه، إلا أن بطنه رحيب، لا تكاد يده تشبعه، ولا الكثير من الأكل يقنعه.

ثم قال: يموت أهل الدهر غيظا به وكمدا، وتنقطع أنفسهم استكراها له وأسفا، كما مات من ذلك شبيب وفاتك، مع موضعهما من الكرم، ورغبتهما في إسداء النعم.

أَعَدْتُ على مَخصَاهُ ثُمَّ تَرَكتُهُ ... يُتَبِّعُ مِنِّي الشَّمسَ وَهِيَ تَغِيبُ

إذا ما عِدِمتَ العَقلَ والأَصلَ والنَّدَى ... فما لِحَيَاةٍ فِي جَنَابِكَ طِيبُ

الجناب: الناحية.

فيقول: أعدت الخصاء عليه؛ لنقضي لأمره، وإبطالي لمكره، واجتنابي لأرضه، وتركته فيما عاناه من طلبي، وحاوله من توجيه خيله على أثري، كمن يتبع الشمس عند غروبها، ويريد أن يلحقها في حين مغيبها.

ثم قال يخاطبه: إذا ما عدمت بعبوديتك كرم الأصل، وبعدت بجهالتك عن وفور العقل، ولؤمت بطبيعتك، وكرهت كل جميل بخليقتك، فما للحياة في جنابك طيب تسكن النفوس إلى موضعه، وتستلذ ما تباشر من تطعمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>