للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكتب إليه الملك فنا خسرو عضد الدولة كتابا يستزيره فيه، فقال عند مسيره إليه مودعا:

نِسُيتُ وما أُنسَى عِتَاباً على الصَّدِّ ... وَلاَ خَفَراً زَادتْ بِهِ حُمرَةُ الخَدِّ

ولا لَيلَةً قَصَّرتُها بِقَصُرتُها بِقصُورَةٍ ... أَطَالَتْ يَدي في جِيدِها صُحبَةَ العِقدِ

الخفر في المرأة: إفراط الحياء، والقصيرة والقصورة من النساء: التي تقصر في حجابها، والجيد: العنق.

فيقول: تتناساني من أكلف بحبه، وأكثر الحنين إلى قربه، وما أنسى عتابي له على صده، وتوسلي بإقامتي على عهده، وخفره عند تلك المعاتبة، وخجله لما أورد من تلك المخاطبة، وازدياد حمرته بذلك الخفر، وتمتعي منه بلذة النظر.

ثم قال: ولا أنسى ليلة قصرتها بقصير كثيرة النشر، منعمة رفيعة القدر، أطالت يدي صحبة العقد في جيدها، ونعمت بمساعدتها وقربها، وأشار بما ذكره من صحبة يده لعقدها إلى المعانقة، ودل بذلك على شدة الملازمة.

وَمَنْ لِي بِيَومٍ كَرهْتُهُ ... قٌربتُ بِهِ عِندَ الوَدَاعِ مِنَ البُعْدِ

وألاَّ يَخُصَّ الفَقدُ شَيئَاً لأَنَّني ... فَقَدْتُ فَلَمْ أَفقِدْ دُمُوعِي ولا وَجدِي

تَمَنٍّ يَلذُّ المُستَهامُ بِمثلِه ... وإن كانَ لا يُغنِي فَتِيلاً ولا يُجدِي

الفتيل: سحاءة في شق النواة، يضرب المثل في القلة، ويجدي: بمعنى يفيد.

فيقول: ومن لي بيوم كيوم وداعي لمن أحبه، مع تكرهي لكونه، وما أتشكاه من فعله، فقد قرب لي من الدنو إليه ما كان يبعد، ومكن لي ما كان يمنع، فكيف لي بألم يقود إلى مثل تلك اللذة، ومكروه يؤدي إلى مثل تلك الخطوة؟!.

ثم قال: ومن لي بأن يكون الفقد فيما يسوء ويسر، وشاملا فيما ينفع ويضر؟ فإني فقدت من أحبه، ولم افقد الوجد به، وعدمته ولم أعدم الحزن له، فليت الفقد عدل في حكمه، وجرى على العموم في فعله.

ثم قال مشيرا إلى ما قدمه: تمن أتمناه ملتذا بذكره، وقول به المستهام يسكن إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>