للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والشيمة: الخلق.

(فيقول) مشيرا إلى ملازمته للسفر، وما هو عليه من مداومه الرحل: تبدل أيامي بتخالفها، وعيشي بتصرفه، ومنزلي بتقاربه وتباعده، نجائب نافذات في السير، جريات على تقحم القفر، لا يفكرن فيما يتهيأ لهن من إقبال الجد، ولا يحلفن بما يواجهنه من النحس والسعد.

ثم قال: ويبدل ذلك فتيان أصحبهم، وأنجاد من الأبطال الفهم، وآنس بموضعهم، وأدل ببأسهم وتقدمهم، يستعملون اللثم على وجوههم حياء، يقودهم إليه فضلهم، ويحدوهم عليه وكرمهم، لا ضعفا عن الحر وتحمله، وإشفاقا عن البرد وتموته.

ثم قال: وليس حياء الوجه من شيم الذئاب، وما شاكلها من مخاتلة السباع، ولكنه من شيم الأسد التي تقصد ما تريده مجاهرة، وتأخذ ما تفرسه مغالبة. فأشار إلى أن الحياء الذي وصف به أصحابه موصول فيهم بأشد القوة، مصحوب بأوفر البأس والنجدة.

إذا لَمْ تُجِزهم دَارَ قَومٍ مَوَدَّةٌ ... أَجازَ القَنَا والخَوفُ خَيْرٌ مِنَ الوُدِّ

يَحِيدونَ عَنْ هَزلِ المُلُوكِ إلى الَّذي ... تَوَفَّرَ مِنْ بَينِ المُلُوكِ على الجِدِّ

الحائد عن الشيء: الذي يعدل عنه، والتوفر على الشيء: التفرغ له، والجد في الأمور: الاعتزام ومجانبة الهزل.

فيقول مشيرا إلى بأس أصحابه: إذا لم تجزهم ديار من يمرون به في سفرهم المودة والمقاربة، والمحبة والمؤالفة، أجازتهم رماحهم وشدتهم، ونفذ بهم إقدامهم ونجدتهم، والخوف في تقريب المطالب، وتسهيل المقاصد، أنفذ من المحبة، وأنفع من المعرفة والمودة، ولذلك تقول العرب: (فوق خير من حب).

ثم قال، وهو يريد أصحابه، يحيدون عن هزل الملوك وترفهم، وباطلهم ورفاهيتهم، إلى ابن العميد مقصودهم، وهو الذي وفر نفسه من بين سائر الملوك

<<  <  ج: ص:  >  >>