للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

محبتها، ولاعبها محيشا لها، ولثمها متصلا بها، فأبصرت في خلال ذلك محياها في ناظره، وقاربته هذه المقاربة إعجابا به. يشير إلى موضعه من نفسها، وما كانت تخصه به من إسعادها ووصلها.

ثم قال: فقبلت ناظري مغالطة بما تظهر في ذلك من الإعجاب بي، وما تبديه في فعلها من الإيثار لي، وإنما رأت في ناظري شخصا فراقها حسنه، وتبينته فأعجبها أمره، فقبلته وفوها المقبل، وصبت إليه ووجهها المتأمل. وأشار بهذه الجملة إلى شدة المقاربة، وأعرب بها عن تمكن الاتصال والملابسة.

ثم قال مؤكدا لما قدمه: فليتها لا تزال من ناظري في مأوى تنزله، وتقيم منه في محل تتخيره، وليت ناظري ذلك المأوى الذي تكون فيه إقامتها، والمحل الذي تشتمل عليه إرادتها.

كُلُّ جَريحٍ تُرجَى سَلامَتُهُ إلاَّ ... فُؤادَاً دَهَتهُ عَينَاها

تَبُلُّ خَدَّيَّ كُلَّما ابتَسَمَتْ مِنْ ... مَطَرٍ بَرقُهُ ثَنَايَاها

ما نَفَضَتْ في يَدِي غَدائِرُها جَعَلَتهُ ... في المُدامِ أَفواهَا

الفؤاد: القلب، ودهته: نالته بغاية الضر، والثنايا: الأضراس الأربعة المتوسطة في أعلى الفم وأسفله، وهي معروفة، والغدائر: جمع غديرة، وهي كل خصلة من الشعر تفتل ثم ترسل وتعقد، والأفواه: أخلاط الطيب، واحدها فوه.

فيقول: كل جريح ترجى سلامته، وتؤمل من جراحه إفاقته، غير قلب سحرته عيناها وتيمته، ورمته بسهامها فأقصدته، فأن ذلك جريح لا يبل من سقمه، وعليل لا يبرأ من كلومه وألمه.

ثم قال: تبل خدي كلما ابتسمت لاهية عما أتشكاه، ومستقلة لما أكابده وألقاه، (وقوله): (من مطر)، أشار به إلى دمعه، وكثرة (ما) بريق منه على خده.

ثم ذكر أن برق ذلك المطر، الذي هو واكف دمعه، ما يبديه من التبسم وميض

<<  <  ج: ص:  >  >>