ثم قال: وأول لفظة تفوها بذكرها، وأحاط علما بحقيقة أمرها؛ إغاثة صارخ يفزع إليهما، وفك أسير يقتصر بأمله عليهما، فلم يعرفا غير الفضل والإحسان، ولا عهدا غير التطول والإنعام.
ثم قال يخاطب الممدوح فناخسرو: وكنت الشمس منفردا بنفسك، متوحدا في جلالتك ومجدك، تبهر العيون ضياء وبهجة، وتغشيها كمالا ورفعة، فكيف الظن بك إذا قارنك شمسان نيرتان تقفوانك في الجلالة وتماثلانك، وتحكيانك في السياسة وتظاهرانك؟!.
فَعَاشَا عِيشَةَ القَمَرَينِ يُحيَا ... بِضَوئِهِمَا ولا يَتَحَاسَدانِ
القمران: الشمس والقمر، تسميا بأخف الاسمين كما قيل العمران في أبي بكر وعمر رحمهما الله، وأنيسيان: تصغير إنسان على غير قياس، وياءاه ياء تصغير.
فيقول، وهو يريد ولدى فناخسرو: فعاشا عيشة القمرين في طول بقائهما، وبيان إعتلائهما، يحيا الأنام بنورهما، وتشرق الدنيا بضوئهما، ولا جعلهما الله يتحاسدان فيما منحهما من فضله، ووصل بهما ما أتاهما من جميل صنعه.
ثم قال: ولا جعلهما يستزيدان ملكا غير ملك من عاداهما وخالفهما، ولا أن يرثا مالا غير من أباداه من الأعداء بقتلهما، فلا يزالان ظاهرين على الممالك بإبادتهما لأربابهما، ومحثوثين على أموال أهل الخلاف بغلبتهما لأصحابها.
ثم قال: وجعل الله أبني من كاثراه من الأعداء، ومن نازعهما من أهل البغضاء، له كياءي حروف أنيسيان، يعودان عليه التصغير والذلة، ويجلبان إليه غاية الضعف والقلة.
دُعَاءٌ كالثَّنَاءِ بلا رياءٍ ... يُؤدِّيهِ الجَنَانُ إلى الجَنَانِ