للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بخل يفارق في البذل، ولا جور يخالف مذهبه في العدل، ولا وجل يعترض فيما بسط الله به من الدعة والأمن.

إنْ لَمْ يَكُنْ مَنْ قَبلَهُ عَجَزُوا ... عَمَّا يَسُوسُ بِهِ فَقَدْ غَفَلُوا

حَتَّى أَتَى الدُّنيا ابن بَجْدَتِها ... فَشَكَا إلَيهِ السَّهلُ والجَبَلُ

شَكوى العَلِيلِ إلى الكَفِيلِ لَهُ ... ألاَّ تَمُرَّ بِجِسمِهِ العِلَلُ

أبن بجدة الشيء: الذي يعلم باطنه، والكفيل: الضامن.

فيقول: أن الممدوح فناخسرو ساس الملك أحسن سياسة، وعمرت الأرض به أفضل عمارة، وأربى بإحاطته على الملوك المتقدمين، وزاد على سير الحكماء الأولين، فأن لم يكن من قبله من الملوك عجز عما أبداه في السياسة وأظهره، فقد قصر في أهمل ذلك وأغفله.

ثم قال: حتى تملك الدنيا منه ابن بجدتها، الخبير ببواطنها، ودبر أمورها، الرئيس الجليل البصير بمصالحها، فشكا إليه السهل والجبل ما لحقهما من الخلل، واستنهضاه إلى إزاحة ما نالهما من العلل.

ثم قال: شكوى العليل المنهوك بالعلة إلى الكفيل بالبرء والصحة، فداوى ما شكاه بثابت من علمه، ونهض فيما أملاه بمشكور من عزمه، وأمن القريب والبعيد من مكروه الضرر، وتلاف جميع ذلك بأجمل النظر.

قَالَتْ فلا كَذَبَتْ شَجَاعَتُهُ ... أَقدِمْ فَنَفسُكَ مَا لَهَا أَجَلُ

فَهوَ النِّهايَةُ إن جَرَى مَثَلٌ ... أَوْ قِيلَ يَومَ وَغىً مَنِ البَطَلُ؟

الوغى: الأصوات في الحرب، والبطل: المتقدم في الشجاعة.

فيقول: قالت شجاعته؛ فيما مثلته لنفسه، وانعقدت عليه حقيقة أمره، فلا أكذبها الله فيما ضمنته له من الفوزة، وصدقها فيما حسنته عنده من الجرأة: أقدم في حروبك، والسلامة مضمونة لك، وأشجع، فالغلبة مقرونة بك، فأجلك مؤخر لا

<<  <  ج: ص:  >  >>