للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: قد كان دون رؤيتها كل حجاب يمنع مثله، وكل شيء من الستر يمكن فعله، فما قنعت لها أيها الأرض حتى حجبتها بسترك، وصيرتها مغيبة مغيبة في تربك.

ثم قال: وقد كنت أيها الأرض آمنة عليها من عيون الإنس، أن تدركها من أبصارهم وأن تلحظها، أفتراك حسدت عليها أعين الكواكب فتضمنتها مغيبة لها؟! واشتملت عليها لبخلك بها؟! وأشار بهذا القول إلى موضع المتوفاة من الستر، وما كانت عليه من جلالة القدر.

وهل سَمِعْتِ سَلاَمَاً لِي أَلمَّ بِهَا؟ ... فَقَدْ أطَلْتُ وما سَلَّمْتُ مِنْ كَثَبِ

وَكَيْفَ يَبْلُغُ مَوْتَانَا الَّتي دُفِنَتْ ... وَقَدْ يُقَصّرُ عَنْ أَحْيَائِنَا الغَيَبِ

الكثب: القرب.

فيقول: وهل سمعت أيتها الأرض من سلامي الذي أردده، وذكري الذي أوصله؟ فقد أطلت في ذلك، وما تناولته من قرب، فأستمع من أخاطبه، وأدرك من هذا ما أحاوله.

ثم قال: وكيف يبلغ ما اسلم به موتانا الذين سترهم الدفن وغيبهم الترب، وهو يقصر عن أحيائنا الذين غيبهم عنا انتزاح منازلهم، وتباعدهم منا في مواضعهم.

يا أَحْسَنَ الصَّبْرِ زُرْ أَوْلَى القُلُوبِ بها ... وَقُلْ لِصَاحِبِه يا أَنْفَعَ السُّحُبِ

وَأكرمَ النَّاسِ لا مُسْتَثْنِيا أَحَداً ... مِنَ الكِرَامِ سِوَى آبائِكَ النُّجُبِ

يقول، وهو يريد سيف الدولة، أخا المتوفاة المرثية: يا أحسن الصبر وأوفره، زر أولى القلوب بهذه المتوفاة، يريد: قلب سيف الدولة الذي هو شفيق اخوتها، وأقعد الناس بقرابتها، وقل أيها الصبر لصاحب ذلك القلب، مخاطبا لسيف الدولة، ومرفعا به: يا أنفع السحب الساجمة، وأحمد الغيوث الوابلة.

ثم قال، على نحو ما قدمه، مخاطبا لسيف الدولة: ويا اكرم الناس! لا استثني أحدا

<<  <  ج: ص:  >  >>