للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَيْتَ عَيْنَ التي آبَ النَّهارُ بَهَا ... فِداءُ عَيْنِ زَالَتْ وَلَمْ تَوبِ

فَمَا تَقَلَّدَ بالْيَاقُوتِ مُشْبِهُهَا ... وَلاَ تَقَلَّدَ بالهِنْدِيَّةِ القُضُبِ

عين الشيء: شخصه، وآب: بمعنى رجع، والقضب: القواطع: الواحد قضيب.

فيقول: فليت طالعة الشمسين غائبة، يريد: المتوفاة، وشمس النهار، والطالع منهما: الشمس المعهود، فتمناها أن تكون غائبة لا تطلع، ومعدومة لا ترجع، وليت هذه الشمس المفقودة طلعت موضعها فلم تعدم، وأقامت مكانها فلم تفقد، وكنى عن المتوفاة بالشمس، مشيرا إلى علو رتبتها، واستبانة شرفها ورفعتها.

ثم قال على نحو ذلك: وليت عين الشمس المعهود التي رجع النهار بها طالعة، وأظهرها بعد الغروب مشرقة، فداء عين الشمس التي غابت، فلم تكن لغيبتها أوبة، وفقدت فلم تكن لفقدها رجعة.

ثم قال مشيرا إلى موضع المتوفاة من الفضل، ومنزلتها من كرم الأصل: فما تقلد بالياقوت من النساء من أشبهها، ولا تقلد بالسيوف الصارمة من الرجال من يعدل بها، يريد: أنها فضلت النساء والرجال من أهل دهرها، وزادت عليهم بشرفها وقدرها.

وَلا ذَكَرْتُ جَمِيلاً مِنْ صَنائِعِها ... إِلا بَكَيْتُ وَلاَ وُدٌّ بِلا سَبَبِ

قَدْ كَانَ كُلُ حِجَابٍ دُونَ رُؤيَتِها ... فَمَا قَنِعتِ لَهَا يا أَرْضُ بالحُجُبِ

وَلاَ رَأَيْتِ عُيونَ الإنسِ تُدْرِكُها ... فَهَلْ حَسَدْتِ عَلَيْها أَعْيُنَ الشُّهُبِ!

الصنائع: الأيادي المشكورة، واحدتها صنيعة، والشهب: النجوم.

فيقول: ولا ذكرت جميلا مما كانت توليه، وكثيرا مما كانت تفعله وتسديه، إلا بكيت حزنا ورقة، وأسفت توجعا وشفقة، ولا يكون الود دون سبب يبعث عليه، ولا يتمكن دون موجب يقود إليه، وإحسان هذه المتوفاة أوجب علي ودها، وألزمني أن أنشر فضلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>