أَبْصروا الطَّهْنَ في القُلُوبِ دِراكاً ... قَبْلَ أَن يُبْصِروا الرَّماحَ خَيَالا
وإذا حاوَلَتْ طِعانَكَ خَيلٌ ... أَبْصَرَتْ أَذْرُعَ القَنَا أَمْيالا
الدراك: التتابع، والخيال: ما ترى على غير حقيقة.
فيقول لسيف الدولة: مثلت هيبتك للروم إيقاعك بهم، وأرتهم طعان رماحك دراكا في قلوبهم، قبل أن يتخيلوا ذلك ويتحققوه، ويتمثلوه ويشاهدوه، فعاذوا بالفرار منك، وولوا منهزمين عنك.
ثم قال: وإذا حاولت خيل طعانك، ومثلت لأنفسها قتالك، أراها الفزع أذرع رماحك أميالا متصلة؛ [لما تتوقعه من طعنها، وتحذره من مخوف فعلها].
بَسَطَ الرُّعْبُ في اليَمِيْنِ يَمِيْناً ... فَتَوَبَّوا وفي الشَّمالِ شِمالا
يَنْفُضُ الرَّوْعُ أَيْدِياً تَدْرِي ... أَسُيوفاً حَمَلْنَ أَم أَغْلالا
وَوجُوهاً أخافَهَا مِنْكَ وَجْهٌ ... تَرَكَتْ حُسْنَها لَهُ والجَمَالا
الروع: الفزع، والأغلال: رَوابط تشد بها الأيدي إلى الأعناق، واحدها غل.
فيقول: بسط الرعب في أيديهم أيديا مثلها، تمنعها من البطش، وتقصرها على الكف، فولوا وقد خذلتهم أعضاؤهم من الفزع، فاستولى على أنفسهم شدة الجزع.
ثم قال على نحو ما قدمه: ينفض الروع من أيديهم السلاح فيسقطه، ويسلبهم إياه الذعر فيذهبه، حتى كأن سيوفهم في أيديهم أغلال تملكها، وموانع تمنعهم من التصرف بها.
ثم قال على نحو ما تقدم، مخاطبا لسيف الدولة: وينفض الرعب عنهم وجوها قد امتقعها الخوف، وأذهب جمالها الذعر، فهي ترعد متغيرة، وتعبس متوقعة قد أخافها منك وجه أحرز غاية الحسن، وغلبها على الجمال والفضل.
والعِيَانُ الجَلِيُّ يُحْدِثُ لِلظَّنَّ ... زوالا ولِلْمُرادِ انْتِقالا
وإذا ما خلا الجَبَانُ بأَرضٍ ... طَلَبَ الطَّعْنَ وَحْدَهُ والنّزالا