للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَقْسَمُوا لا رأَوْكَ إِلاَّ بِقَلْبٍ ... طال مَا غَرَّتِ العُيونُ الرَّجالا

الجلي: المكشوف.

فيقول مشيرا إلى الروم، وفرارهم عن أرض الحدث بين يدي سيف الدولة؛ بعدما تكلفوه من غزوه، وتعاطوا من حصاره: أن ما تيقنوه من قصد سيف الدولة لهم، وتسابق خيله نحوهم، أكذب ما ظنوه، واراهم الجلية فيما حاولوه، وعرفهم أن حظهم في الانتقال عما أضمروه من الإقدام إلى الفرار والانهزام.

ثم ضرب للروم مثلا في فعلهم فقال: وإذا ما خلا الجبان في أرضه، وبعد عن الأقران بنفسه، طلب الطعن والمنازلة، وتعاطى القتال للمبارزة، فإذا أحس بمن يقاتله، رجع إلى طبعه، واعتصم بالفرا عن قرنه، وكذلك شأن الروم وشأن سيف الدولة، اظهروا الإقدام عليه، فلما أحسوا به، فروا بين يديه.

ثم قال مخاطبا لسيف الدولة: أقسم الروم أنهم لا يرونك إلا بقلوبهم متباعدين عنك، ولا يلحظونك بعيونهم مقربين منك، فطالما اغتروا بموافقتك فأفنيت جيوشهم، وكثرا ما أقدموا في الحرب على معاينتك، فأتلفت نفوسهم. وهذه العبارة وإن كانت تزيد على لفظه، فهي مفهومة من حقيقة [قصده].

أَيُّ عَيْنٍ تَأَمَّلَتْكَ فَلا قَتْكَ ... وطَرْفٍ رَنَا إِليكَ فآلا

ما يَشُكُّ اللّعِينُ في أخْذِكَ الجَيْ ... شَ فهل تَبْعَثُ الجُيُوشَ نَوَالا

ما لِمَنْ يَنْصِبُ الحبائِلَ في الأر ... ضِ ومَرْجَاهُ أَنْ يَصِيْدَ الهِلالا

الرنو: النظر، وآل بمعنى: رَجَعَ، والنوال: العطاء، والحبائل: الأشراك، واحدتها حبالة، ومرجاة: مفعلة من الرجاء.

فيقول لسيف الدولة: أي عين بطل تأملتك فرقاك صاحبها، وأقدم على موافقتك الناظر بها، وأي شجاع مجرب، أو كمي مقدم دنا إليك طرفه، ولاحظتك عينه، فرجع قاصدا إليك، وتعرض للكر مقدما عليك؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>