ثم قال، وهو يريد ملك الروم: ما يشك اللعين في أنك تغلب جيشه وتأخذه، وتتحكم فيه وتتملكه، وتشمل أهله بالقتل والأسر، ويتكفل الله لك عليه بأبلغ النصر، أفتراه إنما يجهز الجيوش إليك عطاء لك تقصده، وإتحافا تعتمده.
ثم قال مؤكدا للإزراء على ملك الروم: ما لمن ينصب حبائله في الأرض، ويبث مكائده بين الناس، ورجا التأثير في سيف الدولة، وهو القمر في رفعته، وسبيه [به] في علو منزلته، فكيف لملك الروم أن يؤثر في القمر، ويعترض على سابق القدر؟!
إِنَّ دُونَ التي على الدَّرْبِ والأَح ... دَبِ، والنَّهْرِ مِخْلَطا مِزْيالا
غَضَبَ الدَّهرَ والمُلُوكَ عليها ... فَبَناها في وَجْنَةِ الدَّهْرِ خَالا
الدرب: المدخل إلى أرض العدو من أرض الإسلام، والأحدب: جبل بقرب حصن الحدث، والاختلاط بالشيء: الالتباس به، والزوال عنه: المباعدة، والمخلط المزيال: الذي يلابس الشيء تارة، ويباعده تارة، والغضب: الأخذ بالقهر، والخال: شامة في الوجه، تخالف سائر لونه، والمطرد: المتصل الذي لا عوج غيه، والأكعب: العقد التي تكون بين أنابيب الرمح، واحدها كعب، والأوجال: المخاوف، واحدها وجل.
فيقول مشيرا إلى مدينة الحدث، وإلى سيف الدولة: إن دون المدينة المبنية على الدرب والأحدب والنهر من سيف الدولة، الذي يحمي حريمها، ويقاتل الأعداء دونها، ملكا متيقظا مقتدرا، مزيالا عن أطراف بلاده، واثقا بما يحميها من هيبته، مخلطا بالأعداء فيها عند مرامهم لها، سريعا لا يتأخر من سطوته، فهو وإن بعد، أدنته قوته، وإن انتزح، قربته مقدرته.
ثم قال: غضب الدهر والملوك على هذه المدينة، [وأدخل على كان في أول الكلام