للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

غلب]، والعرب تفعل ذلك، وتحمل الكلام على المعنى إذا تقارب ولم يستحل، فبناها في وجنة الدهر كالخال الذي يزين الوجه مع مخالفته للونه، ويحسنه مع ما يثبت فيه من وسمه، فبين أن هذه المدينة امتنع أمرها، وجل قدرها، فكأن الدهر زين بها وجهه، ووسم برفعتها نفسه.

ثم قال يريد سيف الدولة: وحمى هذه المدينة بكل رمح مطرد الكعوب، جور الزمان وظلمته، ومخاوفه وصرفه، يشير إلى منعه لها من الروم بمسارعته دونها إليهم.

وهي تَمْشِي مَشْيَ العَرُوسِ اخْتِيالا ... وتَثَنَّى على الزّمانِ دَلالا

في خَمِيْسٍ مِنَ الأُسودِ بئِسٍ ... يَفْتَرسْنَ النُّفوسَ والأموالا

وظُباً تَعْرِفُ الحَرامَ مِنَ الحِلَّ ... فَقَدْ أَفْنَتِ الدَّماَء حَلالا

الاختيال: الزهو والتكبر، الدلال: الشكل، والخميس: الجيش، [والبئيس]: الكثير الشجعان، والافتراس: شدة الأخذ، وأصله دق العنق، والظبا: السيوف، والحرام: الممنوع، والحل: الحلال.

فيقول، وهو يريد مدينة الحدث: فهي تمشي مشي العروس اختيالا بمنع سيف الدولة منها، وتثنى على الزمان دلالا بمدافعته عنها، وأتى بهذا القول على سبيل الاستعارة، وأشار إلى أن هذه المدينة من الاعتزاز بسيف الدولة في حال تتيه معها على الدهر، وتفرط في الخيلاء والكبر.

ثم قال: وهي في خميس من جيشه، وكثرة من جمعه، وهم كالأسود الضارية، والسباع العادية، يفترسون نفوس الأعداء، ويأخذون أموالهم، ويقربون حتوفهم وآجالهم.

ثم قال، يريد. . . من سيوف هذا الجيش مشكور فعلها، محمود أثرها، تعرف الحلال والحرام، والمباح والمحظر، فقد أفنت الدماء التي أحل الله سفكها، ومنعت

<<  <  ج: ص:  >  >>