للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويسالمونهم، إما لعجزهم وضعفهم، وإما لتوقعهم وخوفهم.

ثم قال، يخاطب سيف الدولة: وأنت مع الله في جانب عنهم، وفي معزل منهم، تغاور الروم وقد ضيع المسلمون غزوهم، وبذلهم إذا استعظم من سواك أمرهم، لا تغفل عن ذلك ولا ترقد، ولا تسأم من التعب فيه ولا تسكن.

ثم قال: كأنك وحدك عظمت الله ووحدته، ونصرت دينه وأيدته، وكان من سواك من المعظمين للروم، المسالمين لهم، دانوا للشرك والتزموه، وقالوا به وانتحلوه.

فَلَيْتَ سُيُوفَكَ في حاسِدٍ ... إذا ما ظَهَرْتَ عَلَيْهِمْ كَئِبْ

ولَيْتَ شَكاتَكَ في جِسْمِه ... ولَيْتَكَ تَجْزِي بِبُغْضٍ زحُبْ

فَلَوْ كُنْتَ تَجْزِي بِهِ نِلْتُ مِنْ ... كَ أَضْعَفَ حَظًّ بِأَقْوى سَبَبْ

يقول: فليت سيوفك معملة في حاسد ينكر مشهور فضلك، ولا يعرف لك بكريم سعيك، فإذا أظهرك الله على الروم أسف وحزن، وإذا أظفرك بهم ارتمض واكتأب.

ثم قال: وليت شكاتك في جسم ذلك الحاسد، يكفيك ألمها، وعلتك مقصورة عليه، تنوب عنك في تحملها، وليتك تجزي من أحبك على مقدار حبه، ومن أبغضك بمقدار ما يعتقده لك من بغضه، فتقارض كلا بقسطه، وتجزيه على حقيقة قدره.

ثم قال: فلو كان ذلك رأيك ومذهبك، واختيارك ومعتقدك، لنلت أضعف حظ من تقبلك، بأقوى سبب أمت به من الإخلاص لك. يشير إلى أن سيف الدولة يغمض لكثير ممن حوله، على ما تيقن منه من قلة الخالصة، والبعد من سلامة الناحية، وإنه اغفل أمر أبي الطيب مع ما هو عليه من ثابت البصيرة في مودته ونصحه، وخالص النية في الاعتراف بإحسانه وفضله.

نجز ما قاله أبو الطيب في سيف الدولة علي بن عبد الله بن حمدان، وفي جملة ذلك الأشعار الثلاثة التي كتب بها إليه من العراق، وهي آخرها، أثبتناه من أشعاره

<<  <  ج: ص:  >  >>