للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا كُنْتَ تَرْضَى أَنْ تَعيْشَ بِذِلَّةٍ ... فلا تَسْتَعِدَّنَّ الحُسَامَ اليَمَانِيا

ولا تَسْتَطِلَّنَّ الرَّماحَ لِغَارَةٍ ... ولا تَسْجِيْدَنَّ العِتَاقَ المَذّاكِيا

فَما يَنْفَعُ الأسْدَ الحَياءُ مَنَ الطَّوَى ... ولا تُتَّقَى حتَّى تكونَ ضَوارِيا

الحسام: السيف القاطع، واليماني: الذي طبع بأرض اليمن، والعتاق: الخيل الكريمة، والمذاكي: القرح منها، والطوى ضمور البطن من الجوع، والضواري من السباع: العادية، واحدتها: ضار.

فيقول مخاطبا لنفسه، ومنبها في مفارقته لسيف الدولة علة عذره: إذا كنت ترضى أن تعيش ذليلا غير مكرم، ومستضعفا غير معظم، فما لك تستعد بالسيف وتحمله، وتستجيده وتتخيره؟!

ثم قال على نحو ذلك: وما لك تستطيل الرماح للمطاعنة، وتستفره الخيل للمغاورة، إذا كنت لا تستعمل ذلك في المدافعة عن نفسك، وتصرفه فيما يدل على جلالة قدرك؟!

ثم قال: وما ينفع الأسد بما توصف به من الحياء في جوع بطونها، ولا يوجب لها السكون تمكن أمورها، ولا تتقى حتى تكون ضارية، متسرعة عادية. وأشار إلى أن طول بقائه عند سيف الدولة أخل بقدره، وأن استعماله الحياء في مفارقته، منعه من إظهار غنائه وفضله.

حَبَبْتُكَ قَلْبِي قَبْلَ حُبَّكَ مَنْ نَأَى ... وَقَدْ كَانَ غَدَّارا فَكُنْ لِيَ وَافِيا

وَأَعْلَمُ أَنَّ البَيْنَ يُشْكِيْكَ بَعْدَهُ ... فَلَسْتَ فُؤادِي إِنْ رَأَيْتُكَ شَاكِيا

فإِنَّ دُمُوعَ العَيْنِ غَدْرٌ بِرَبّها ... إِذا كُنَّ إِثْرَ الغادِرِيْنَ جَوَاريا

النأي: البعد، والغدر والوفاء: معروفان، والبين: الفراق، والفؤاد: القلب، والشاكي: الألم. وأفرد غدرا وهو خبر عن الدموع؛ لأنه مصدر، والمصادر لا تثني ولا تجمع إذا نعت بها، أو أخبر، يقال: امرأة خصم ونساء خصم، ورجل غدر

<<  <  ج: ص:  >  >>