للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: وكنت تعلم أني من الصرامة والجزالة، على حال من إذا باشر أمرا يريده، وحاول بعيدا يرومه، تدانى له منه ما بعد؛ لشدة بطشه، وسهل له منه ما صعب؛ لشجاعة نفسه.

وما زالَ أَهْلُ الدَّهْرِ يَشْتَبِهونَ لي ... إِليكَ فَلمَّا لُحْتَ لي لاَحَ فَرْدُهُ

يُقالُ إِذا أَبْصَرْتُ جَيْشاً وَرَبَّهُ ... أَمَامَكَ ربُّ؛ ربُّ ذا الجَيْش عَبْدُهُ

وَاألْقَى الفَمَ الضَّحَّاكَ أَعْلَمُ أَنَّهُ ... قَرِيْبٌ بِذِي الكَفّ المُفَدَّاة عَهْدُهُ

رب الجيش: الذي يملكه ويدبره.

فيقول مخاطبا لكافور: وما زال أهل الدهر الذين شهدتهم، وملوكه الذين قصدتهم، تتقارب عندي أمورهم، وتتماثل في نفسي أحوالهم، حتى بدوت لي، فعلمت أنك واحد الدهر، والمخصوص بين أهله بأعظم الفضل.

ثم قال: إنه كلما لقي في قصده نحو كافور جيشا كثير أهله، وأميرا رفيعا قدره، قيل له: أمامك من كافور مقصودك أمير، أمير هذا الجيش واحد من حشمه، وتابع من عبيده وخولة.

ثم قال: وألقى الفم الضحاك الذي أضحكه الجذل، وغلب صاحبه الفرح، فأعلم أن ذلك الفم قريب عهده بيد كافور، المفداة لكثرة ما يبذله، المعظمة لجلالة ما يفعله.

فَزَارَكَ مِنّي مَنْ إِلَيْكَ اشْتِياقُهُ ... وفي النَّاسِ إِلاَّ فِيكَ وحدكَ زُهْدُهُ

يُخَلَّفُ مَنْ لم يَأْتِ دَارَكَ غايةً ... ويَأْتي فيُدْرَى أَنَّ ذلكَ جَهْدُهُ

فإِنْ نِلْتُ ما أَمَّلْتُ مِنْكَ فَرُبَّما ... شَرِبْتُ بِماءٍ يُعْجِزُ الطَّيْرَ وِرْدُهُ

الزهد في الشيء: قلة الرغبة فيه، والورد: حلول المشرب.

فيقول لكافور: فزارك مني من لا يشتاق إلا إليك، ولا يحرص إلا عليك، ومن هو زاهد في الناس إلا فيك وحدك، ومعرض عنهم عندما تخيره من قصدك.

ثم قال مخاطبا لكافور: يخلف المتأخر عن إتيان دارك، واعتماد أرضك، غاية

<<  <  ج: ص:  >  >>