بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيد المُرسَلين وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد، فعند معظم المسلمين اليوم ينتهي تاريخ الأندلس بسقوط غرناطة سنة ١٤٩٢ م. وكأن الأندلسيين اختاروا الخروج عن الإسلام بعد انهزامهم، وقبول أمر الواقع من الهجرة من ديارهم أو الاندماج في القوى النصرانية الغازية. أما عند الغرب، فيمر التاريخ الإسباني على طول الحقبة الإسلامية من تاريخ الأندلس، وكأنها حقبة عابرة لا قيمة لها في تكوين الشخصية الأندلسية المعاصرة. ولم تبتدىء هذه النظرة تتغير عند المفكرين في الأندلس إلا اليوم.
وكِلا الفئتين تتجاهل الواقع التاريخي الأندلسي. إذ أن الإسلام لم ينقرض في الأندلس بسقوط غرناطة، بل دخل الأندلسيون في حقبة طويلة من الدفاع المرير عن شخصيتهم وعقيدتهم الإسلامية دامت قرونًا وبقيت آثارها في المجتمع الأندلسي إلى اليوم. وقد برهن الشعب الأندلسي في صراعه المتواصل بطريقة لم يبرهنها مثله شعب من الشعوب الإسلامية، على تشبثه بالإسلام دينًا، وبالعربية لغة، لدرجة أصبح فيها مزدوج الشخصية، يتظاهر بدين ويضمر خلافه.
أما تجاهل الغرب للحقبة الأندلسية الإسلامية الطويلة في تكوين الشخصية الأوروبية فهو جهل وظلم وغباء لأن واقع هذا التأثير لا يمكن أن يتجاهله عاقل. ولا يؤدي ذلك إلا إلى دفع أجيال الغرب الصاعدة إلى المزيد من الجهالة والتعصب والانفصام عن الحضارة والفكر الإسلامي اللذان كان لهما عبر أرض الأندلس وشعبها أكبر تأثير في تحرير أوروبا من كثير من جهالتها وتأخرها ووحشيتها.