وأما السُّنة: فما ثبت في الصحيح من حديث عمران بن حصين رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال للرجل الذي لم يجد الماء: [عَليْكَ بالصَّعيدِ فإِنه يَكْفِيكَ]، وهو عامُّ أيضاً كالآية الكريمة، ومن هنا اجتمعت دلالة الكتاب، والسُّنة على أنّ التيمم يَصِحُ بكل ما على وجه الأرض من تُراب له غُبار، أو لا غُبار له.
وقد مشى المصنف رحمه الله على قول من يقول باشتراط أن يكون للتراب غبار، واستدل أصحاب هذا القول بقوله سبحانه:{صَعِيدًا طَيِّبًا} فقالوا: إن الوصف بالطِّيب يَقْتضي أَنْ يكون له غبار، وهذا مردود، فإن الوصف بالطّيب المراد به: طهارته من النجاسة، والمراد به: أن لا يتيمم بتراب نَجِسٍ.
ثم إننا نقول: إنه لو خُص التراب بما له غبار لخالف ذلك مقتضى الرُّخصة، فإننا نعلم أن كثيراً من الأرض في بعض الأماكن رمال لا غبار لها، فلو قلنا: إن التيمم لا يحصل إلا بتراب له غبار لأجحف بالناس ففي بعض الصحاري ربما تسير يوماً كاملاً، ولا ترى أرضاً لها غبار، وكذلك المناطق الجبلية والحِرَارِ.
وأما المسألة الثانية وهي حصر التيمم في التراب، فأصحّ الأقوال كما سبقت الإشارة إليه أنه يجوز التيمم بكل ما على وجه الأرض سواء كان تراباً، أو غيره؛ وذلك لظاهر قوله تعالى:{صَعِيدًا طَيِّبًا} والصّعيدُ كلُّ ما صعدَ على وجْهِ الأرض، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصف المدينة بكونها طيبة مع أنّ أَكْثرها حِرَار، وهذا الدليل إنتزعه الٍإمام ابن خزيمة -رحمه الله- كما أشار إليه في صحيحه