ونحن -رحمك الله- لم نخالف العوام في كثرة أموال النصارى، وأن فيهم ملكا قائما، وأن ثيابهم أنظف، وأن صناعتهم أحسن.
وإنما خالفنا في فرق ما بين الكفرين والفرقتين، في شدة المعاندة واللجاجة، والإرصاد لأهل الإسلام بكل مكيدة، مع لؤم الأصول، وخبث الأعراق.
فأما الملك والصناعة والهيئة، فقد علمنا أنهم اتخذوا البراذين الشهرية، والخيل العتاق، واتخذوا الجوقات، وضربوا بالصوالجة، وتحذفوا المديني، ولبسوا الملحم والمطبقة، واتخذوا الشاكرية، وتسموا بالحسن والحسين، والعباس وفضل وعلي، واكتنوا بذلك أجمع، ولم يبق إلا أن يتسموا بمحمد، ويكتنوا بأبي القاسم. فرغب إليهم المسلمون، وترك كثير منهم عقد الزنانير، وعقدها آخرون دون ثيابهم، وامتنع كثير من كبرائهم من إعطاء الجزية، وأنفوا مع أقدارهم من دفعها، وسبوا من سبهم، وضربوا من ضربهم.
وما لهم لا يفعلون ذلك وأكثر منه، وقضاتنا أو عامتهم يرون أن دم الجاثليق والمطران والأسقف وفاء بدم جعفر وعلي والعباس وحمزة. ويرون أن النصراني إذا قذف أم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالغواية أنه ليس عليه إلا التعزير والتأديب، ثم يحتجون أنهم إنما قالوا ذلك لأن أم النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن مسلمة. فسبحان الله العظيم ما أعجب هذا القول وأبين انتشاره. ومن حكم النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن لا يساوونا في المجلس، ومن قوله: وإن سبوكم فاضربوهم، وإن ضربوكم فاقتلوهم. وهم إذا قذفوا أم النبي عليه السلام بالفاحشة لم يكن له عند أمته إلا التعزير والتأديب.