كل من اعتقد خلاف النصرانية من المجوس والصابئين والزنادقة فهو معذور، ما لم يتعمد الباطل ويعاند الحق. فإذا صاروا إلى اليهود قضوا عليهم بالمعاندة، وأخرجوهم من طريق الغلط والشبهة.
[فصل منه]
فأما مسألتهم في كلام عيسى في المهد: أن النصارى مع حبهم لتقوية أمره لا يثبتونه، وقولهم إنا تقولناه ورويناه عن غير الثقات، وإن الدليل على أن عيسى لم يتكلم في المهد أن اليهود لا يعرفونه، وكذلك المجوس، وكذلك الهند والخزر والديلم. فنقول في جواب مسألتهم عند إنكارهم كلام المسيح في المهد مولودا:
يقال لهم: إنكم حين سويتم المسألة وموهتموها، ونظمتم ألفاظها، ظننتم أنكم قد أنجحتم، وبلغتم غايتكم. ولعمري لئن حسن ظاهرها، وراع الأسماع مخرجها، إنها لقبيحة المفتش، سيئة المعرى.
ولعمري أن لو كانت اليهود تقر لكم بإحياء الأربعة الذين تزعمون، وإقامة المقعد الذي تدعون، وإطعام الجمع الكثير من الأرغفة اليسيرة، وتصيير الماء جمدا، والمشي على الماء، ثم أنكرت الكلام في المهد من بين جميع آياته وبراهينه لكان لكم في ذلك مقال، وإلى الطعن سبيل. فأما وهم يجحدون ذلك أجمع، فمرة يضحكون، ومرة يغتاظون ويقولون: إنه صاحب رقى ونيرجات، ومداوي مجانين، ومتطبب، وصاحب حيل وتربص خدع، وقراءة كتب، وكان لسنا مسكينا، ومقتولا مرجوما، ولقد كان قبل ذلك صياد سمك، وصاحب شبك، وكذلك أصحابه. وأنه خرج على مواطأة منهم له، وأنه لم يكن لرشدة.