وسنقول في جميع ما ورد علينا من مسائلكم، وفيما لا يقع إليكم من مسائلهم، بالشواهد الظاهرة، والحجج القوية، والأدلة الاضطرارية. ثم نسألهم بعد جوابنا إياهم عن وجوه يعرفون بها انتقاض قولهم، وانتشار مذهبهم، وتهافت دينهم.
ونحن نعوذ بالله من التكلف وانتحال ما لا نحسن، ونسأله القصد في القول والعمل، وأن يكون ذلك لوجهه، ولنصرة دينه، إنه قريب مجيب.
فأنا مبتدىء في ذكر الأسباب التي لها صارت النصارى أحب إلى العوام من المجوس، وأسلم صدورا عندهم من اليهود، وأقرب مودة، وأقل غائلة، وأصغر كفرا، وأهون عذابا. ولذلك أسباب كثيرة، ووجوه واضحة، يعرفها من نظر، ويجهلها من لم ينظر.
أول ذلك أن اليهود كانوا جيران المسلمين بيثرب وغيرها، وعداوة الجيران شبيهة بعداوة الأقارب في شدة التمكن وثبات الحقد، وإنما يعادي الإنسان من يعرف، ويميل على من يرى، ويناقض من يشاكل، ويبدو له عيوب من يخالط. وعلى قدر الحب والقرب يكون البغض والبعد، ولذلك كانت حروب الجيران وبني الأعمام من سائر الناس وسائر العرب أطول، وعداوتهم أشد.
فلما صار المهاجرون لليهود جيرانا، وقد كانت الأنصار متقدمة الجوار، مشاركة