فإن قالوا: أليس المسيح روح الله وكلمته، كما قال عز ذكره:{وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه} أوليس قد أخبر عن نفسه حين ذكر أمه أنه نفخ فيها من روحه؟ أوليس مع ذلك قد أخبر عن حصانة فرجها وطهارتها؟ أوليس مع ذلك قد أخبر أنه لا أب له، وأنه كان خالقا، إذ كان يخلق من الطين كهيئة الطير، فيكون حيا طائرا؟ فأي شيء بقي من الدلالات على مخالفته لمشاكلة جميع الخلق، ومباينة جميع البشر؟
قلنا لهم: إنكم إنما سألتمونا عن كتابنا، وما يجوز في لغتنا وكلامنا، ولم تسألونا عما يجوز في لغتكم وكلامكم. ولو أننا جوزنا ما في لغتنا ما لا يجوز، وقلنا على الله تعالى ما لا نعرف، كنا بذلك عند الله والسامعين في حد المكاثرين، وأسوأ حالا من المنقطعين، وكنا قد أعطيناكم أكثر مما سألتم، وجزنا بكم فوق أمنيتكم.
ولو كنا إذا قلنا: عيسى روح الله وكلمته، وجب علينا في لغتنا أن يجعله الله ولدا، ونجعله مع الله تعالى إلها، ونقول: إن روحا كانت في الله فانفصلت منه إلى بدن عيسى وبطن مريم. فكنا إذا قلنا: إن الله سمى جبريل روح الله وروح القدس، وجب علينا أن نقول فيه ما يقولون في عيسى. وقد علمتم أن ذلك ليس من ديننا، ولا يجوز ذلك بوجه من الوجوه عندنا، فكيف نظهر للناس قولا لا نقوله، ودينا لا نرتضيه.
ولو كان قوله جل ذكره:{فنفخنا فيه من روحنا} يوجب نفخا