للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتابعون وأئمة المسلمين من السفر إلى مسجده؟ وقد صرح فيها بأن ذلك طاعة مشروعة بالنص والإجماع. وأما زيارته ففي نفس الجواب.

وما ذكره السائل من الأحاديث في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم فكلّها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث، بل هي موضوعة لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة شيئا منها، ولم يحتج أحد من الأئمة بشيء منها، بل مالك إمام أهل المدينة النبوية الذين هم أعلم الناس بحكم هذه المسألة كره أن يقول الرجل: زرت قبر النبيّ صلى الله عليه وسلّم، ولو كان هذا اللفظ مشروعا عندهم أو معروفا أو مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يكرهه عالم المدينة.

والإمام أحمد أعلم الناس في زمانه بالسنة لما سئل عن ذلك؛ أي عن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم لم يكن عنده ما يعتمد عليه في ذلك من الأحاديث إلا حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «ما من أحد يسلّم عليّ إلا ردّ الله عليّ روحي حتى أردّ عليه السلام». وعلى هذا اعتمد أبو داود في «سننه»، وكذلك مالك في «الموطأ» روى عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا دخل المسجد قال: «السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت» ثم ينصرف.

فهذا قد ذكر في الجواب؛ أن الأحاديث المروية في زيارة قبره كلها ضعيفة، لم تعتمد الأئمة على شيء منها، بل مالك كره أن يقال: زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلّم، ولكن أحمد وغيره كأبي داود وعبد الملك بن حبيب اعتمدوا في زيارة قبره على قوله صلى الله عليه وسلّم:

«ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام». ومالك وأحمد وغيرهما احتجّوا بحديث ابن عمر أنه كان يسلم على النبي صلى الله عليه وسلّم وأبي بكر وعمر، فكان عند الأئمة كمالك وأحمد من المأثور في ذلك السلام عليه، وهذا هو الذي يسمى زيارة قبره، فأحمد وأبو داود وغيرهما يسمون السلام عليه زيارة لقبره صلى الله عليه وسلّم، وكذلك ترجم أبو داود عليه: باب ما جاء في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلّم. وأما مالك فإنه يستحب هذا السلام ولا يسميه زيارة لقبره، ومالك قد تقدم كلامه وأنه في مواضع لم يستحب سوى السلام كما جاء عن ابن عمر، وقد ذكر في الجواب.

وكان السلف من الصحابة والتابعين إذا سلّموا عليه وأرادوا الدعاء دعوا مستقبلي القبلة ولم يستقبلوا القبر.

وأما وقوف المسلّم عليه، فقال أبو حنيفة: يستقبل القبلة أيضا ولا يستقبل القبر. وقال أكثر الأئمة: بل يستقبل القبر عند السلام عليه خاصة، ولم يقل أحد من الأئمة أنه يستقبل القبر عند الدعاء يعني لنفسه، كما يفعله المستغيثون بالميت، ولم يقل أحد من الأئمة أنه يستقبل القبر في هذه الحال إلا في حكاية مكذوبة تروى عن

<<  <   >  >>