للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهم يسبّون الله ويصفونه بالنقائص والعيوب، كما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «يقول الله: شتمني ابن آدم، وما ينبغي له ذلك، وكذّبني وما ينبغي له ذلك. فأما شتمه إياي فقوله: إني اتخذت ولدا، وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. وأما تكذيبه إيّاي فقوله: إنه لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من إعادته» «١». رواه البخاري من حديث ابن عباس «٢» فقد أخبر سبحانه أن هؤلاء يسبّونه، وقد كان معاذ بن جبل يقول عن النصارى: «لا ترحموهم فقد سبّوا الله سبّة ما سبّه إياها أحد من البشر». وهذا نظير ما ذكره الله تعالى عن المشركين بقوله:

وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ [الأنبياء: ٣٦] أي يعيبها وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ [الأنبياء: ٣٦]. فكانوا ينكرون على محمد عليه السلام أن يذكر آلهتهم بما تستحقه، وهم يكفرون بذكر الرحمن ولا ينكرون ذلك، كما قال تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام: ١٠٨].

وهكذا من فيه شبه من اليهود والنصارى والمشركين تجده يغلو في بعض المخلوقين من المشايخ والأئمة والأنبياء وغيرهم، إذا ذكروا بما يستحقونه أنكر ذلك ونفر منه وعادى من فعل ذلك، وهو وأصحابه يستخفّون بعبادة الله وحده وبحقّه وبحرماته وشعائره، ولا ينكر ذلك. ويحلف أحدهم بالله ويكذّب، ويحلف بمن يعظّمه ويصدّق، ولا يستجيز الكذب إذا حلف به، وهؤلاء من جنس النصارى والمشركين. وكذلك قد يعيبون من نهى عن شركهم؛ كالحج إلى القبور التي يحجّون إليها عادة، وهم يستخفون بحرمة الحج إلى بيت الله ويجعلون الحج إلى القبور أفضل منه. وقد ينهون عن الحج اعتياضا إلى القبور، ويقولون: هذا الحج الأكبر، وهؤلاء من جنس المشركين وعبّاد الأوثان. وكذلك هذا المعترض وأمثاله يرون النهي عن الحج إلى قبور الأنبياء والصالحين إخلالا بحقهم، ومعاداة لهم، ونحو ذلك. وهم لا يرون الشرك بالله ودعاء غيره واتخاذ عباده من دونه أولياء؛ إخلالا بحقه ومعاداة له.

ومعلوم أن المشركين من أعظم أعداء الله عزّ وجلّ، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة: ١] إلى قوله: حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة: ٤] فأمر بالتأسي بإبراهيم ومن معه لما تبرّءوا من المشركين وما يعبده المشركون، وأظهروا لهم العداوة والبغضاء حتى يؤمنوا بالله وحده. فالمشرك


- وانظر «المجمع» (٦/ ٢٤ - ٢٧). وتحقيق العلامة محمد شاكر على «المسند» رقم (١٧٤٠) و «فقه السيرة» بتخريج الشيخ الألباني (ص ١١٥).
(١) أخرجه البخاري (٣١٩٣، ٤٩٧٤، ٤٩٧٥). ولم يخرجه مسلم، فعزوه للصحيحين وهم، والله أعلم.
(٢) برقم (٤٤٨٢).

<<  <   >  >>