للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ: ٢٣] فحينئذ يعلمون ما قضى به «١». فكيف يشفعون بدون إذنه.

قال الله تعالى: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ [الأنبياء: ٢٦، ٢٧] وقال: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً [الزمر: ٤٣] الآية. وأوجه الشفعاء وأول شافع يوم القيامة محمد صلى الله عليه وسلّم، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أحاديث الشفاعة أن الناس يوم القيامة إذا ذهبوا إلى آدم ليشفع لهم يردهم إلى نوح، ونوح إلى إبراهيم، وإبراهيم إلى موسى، وموسى إلى المسيح، والمسيح إلى محمد صلى الله عليهم أجمعين، فيقول: اذهبوا إلى محمد فإنه عبد غفر له الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، قال صلى الله عليه وسلّم: «فيأتوني فأذهب إلى ربي فإذا رأيت ربّي خررت ساجدا، وأحمد ربي بمحامد يفتحها عليّ لا أحسنها الآن، وحينئذ فيقول تعالى: أي محمد ارفع رأسك وقل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفّع، قال: فأقول: أي ربّ أمتي فيحدّ لي حدا فأدخلهم الجنة» «٢». وكذلك ذكر في الثانية والثالثة وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قلت: «يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال صلى الله عليه وسلّم: يا أبا هريرة ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه» «٣». فقد بيّن أوجه الشفعاء أنه إذا أتى يبدأ بالسجود لله والحمد لله، لا يبدأ بالشفاعة حتى يؤذن له، فإذا أذن له فحينئذ يشفع، فإذا شفع حدّ له حدا فيدخلهم الجنة.

وبيّن أن أولى الناس بشفاعته من كان أعظم إخلاصا وتوحيدا لا من كان سائلا وطالبا منه أو من غيره، فالأمر كله لله وحده لا شريك له، هو الذي يأذن في الشفاعة وهو الذي يقبل شفاعة الشفيع فيمن يختار، فربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة، سبحان الله وتعالى عما يشركون. فالذين يخالفون شريعة الأنبياء ويغلون فيهم ويقولون إنهم يحبونهم ويوالونهم ويعظمونهم بذلك؛ فالأنبياء يتبرّءون منهم، ومحمد صلى الله عليه وسلّم بريء من عمل من يخالف أمره وسنّته، قال الله تعالى: فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [الشعراء: ٢١٦] ولا ينفع من عصى الرسول أن يقول: قصدي تعظيمهم، فإنه إنما أمر بطاعتهم، ولم يؤمر أن يعبد الله بالظن وما تهوى الأنفس، قال الله تعالى:

وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ إلى قوله: شَهِيدٌ [المائدة: ١١٦، ١١٧]. فقد أخبر أنه لم يقل لهم إلا ما أمره الله به؛ أن يعبدوا الله وحده، وكذلك سائر الأنبياء، قال الله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ


(١) كما في «صحيح البخاري» (٤٧٠١، ٤٨٠٠، ٧٤٨١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) تقدم
(٣) أخرجه البخاري (٩٩، ٦٥٧٠).

<<  <   >  >>