أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء: ٢٥]. وهو سبحانه إنما يعبد بما شرع من الدين، لا يعبد بما شرع من الدين بغير إذنه فإن ذلك شرك، قال الله تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ [الشورى: ٢١] وقال تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً إلى قوله: ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ [الشورى: ١٣] والدين الذي شرعه إما واجب، وإما مستحب، فكل من عبد عبادة ليست واجبة في شرع الرسول ولا مستحبة؛ كانت من الشرك والبدع. والحجّ إلى القبور ليس من شرعه، لا واجبا ولا مستحبا، فإنه لا يقدر أحد أن ينقل عنه حديثا صحيحا في استحباب ذلك، ولا عن أصحابه، ولا علماء أمته، وإنما ينقل في ذلك أحاديث مكذوبة، فهي من الإفك والشرك. وإنما السفر إلى المساجد الثلاثة لأنه سفر إلى بيوت الله التي بنتها الأنبياء لعبادته، واحدها يجب الحج إليه، والآخر أن يستحب السفر إليهما.
والحج الواجب كما يختص بذلك المكان فهو يختص بأعمال لا تشرع في غيره، كالطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة ومزدلفة ومنى، ورمي الجمار، وسوق الهدي إلى هناك، وغير ذلك.
وأما المسجدان الآخران فلا يشرع فيهما إلا من جنس ما يشرع لسائر المساجد؛ كالصلاة والذكر والدعاء والاعتكاف، لكن للعبادة فيهما فضيلة على العبادة في سائر المساجد أوجبت تلك الفضيلة أن يشرع السفر إليهما.
وقبر النبي صلى الله عليه وسلّم مجاور مسجده فإذا أتى مسجده فعل فيه ما يشرع له من حق الرسول من الصلاة والسلام وغير ذلك، وكل ما يفعله من ذلك في مسجده فهو مشروع في سائر المساجد والأمكنة، لكن مسجده أفضل، فالصلاة فيه بألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام. وهذا الفعل المشروع في حقه، كالصلاة والسلام هل يسمى زيارة لقبره، ويطلق ذلك عليه؟ على قولين معروفين. فإنه لا يوصل إلى قبره ويزار الزيارة المعروفة في حق غيره، بل قد منع الناس من ذلك، فما بقي المشروع هناك كالمشروع من الزيارة لسائر القبور، إذا كان الله قد خص نبيه بالأمر بالصلاة والسلام عليه في كل مكان وزمان، وخصّ بالدفن في حجرته، فلا يصل أحد إليه لئلا يتّخذ قبره مسجدا ووثنا وعيدا. وكلما تدبر الإنسان ما أمر به وشرعه تبين له أنه جمع في شرعه بين كمال توحيد الربّ وإخلاص الدين له، وبين كمال طاعة الرسل وتعزيرهم ومحبتهم وموالاتهم ومتابعتهم، فأسعد الناس في الدنيا والآخرة أتبعهم للرسول باطنا وظاهرا، صلى الله عليه وسلّم تسليما، والحمد لله وصلواته وسلامه على محمد وآله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.