للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد روي في عدة أحاديث: أن الله يصلّي على كل من صلّى عليه، ويسلّم على من يسلّم عليه. ولم يذكر عددا، لكن الحسنة بعشر أمثالها، فالمقيد يفسّر المطلق.

قال القاضي عياض: من رواية عبد الرحمن بن عوف عنه عليه السلام قال:

«لقيت جبريل فقال لي: أبشرك أن الله يقول: من سلّم عليك سلّمت عليه، ومن صلّى عليك صليت عليه». قال: ونحوه من رواية أبي هريرة ومالك بن أوس بن الحدثان وعبيد الله بن أبي طلحة «١».

قلت: وبسط الكلام على هذه الأحاديث له موضع آخر. والمقصود هنا؛ أن ما أمر الله به من الصلاة والسلام عليه هو كما أمر به صلى الله عليه وسلّم من الدعاء له بالوسيلة، وهذا أمر اختصّ هو به، فإن الله أمر بذلك في حقّه بعينه مخصوصا بذلك، وإن كان السلام على جميع عباد الله الصالحين مشروعا على وجه العموم، وقد قيل: إن الصلاة تكره على غير الأنبياء، وغلا بعضهم فقال: تكره على غيره، وكذلك قال بعض المتأخّرين:

في السلام. ولكن الصواب الذي عليه عامة العلماء؛ أنه يسلّم على غيره، وأما الصلاة فقد جوّزها أحمد وغيره، والنزاع فيها معروف.

وفي تفسير شيبان عن قتادة قال: حدّث أنس بن مالك عن أبي طلحة قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «إذا سلّمتم عليّ فسلّموا على المرسلين، فإنما أنا رسول من المرسلين» «٢». وقد قال الله في كتابه: قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى [النمل: ٥٩] وقال: وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [الصافات: ١٨١، ١٨٢]. وقال: لما ذكر نوحا وإبراهيم وموسى وهارون وإلياسين: وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ [الصافات: ٧٨، ٧٩]. وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ [الصافات: ١٠٨، ١٠٩]. وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ


(١) انظر هذه الروايات وتخريجها في الكتاب الماتع «جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام» للإمام العلامة ابن قيم الجوزية، حققه: البحّاثة الفاضل مشهور بن حسن آل سلمان- حفظه الله- ونشر بدار ابن الجوزي.
(٢) أخرجه أبو الشيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان» (٢/ ١٠ - ١١/ ٩٢) وأبو نعيم في «ذكر أخبار أصبهان» (٢/ ٣٣٥) بإسناد فيه مجهول.
وأخرجه الخطيب في «تاريخه» (٧/ ٣٨٠) بإسناد فيه مجهول أيضا.
وأخرجه ابن أبي حاتم في «تفسيره» كما في «تفسير ابن كثير» (٤/ ٣٤).
من طريق: شيبان، عن قتادة، قال: حدّثنا أنس بن مالك، عن أبي طلحة: فذكره مرفوعا. وأخرجه ابن أبي عاصم في «الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم» (٦٩ - ٧٠) من طريق: ابن أبي عروبة، عن قتادة عن أنس مرفوعا بلفظ: «إذا صليتم على المرسلين فصلّوا عليّ معهم، فإني رسول من المرسلين».
وإسناده ظاهره الصحة كما قال الشيخ مشهور بن حسن- حفظه الله- في تحقيقه على «جلاء الأفهام» ص ٦٣٥. ومنه استفدت التخريج السابق، فله الفضل والأجر إن شاء الله.

<<  <   >  >>