للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الصافات: ١١٩، ١٢٠]. وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ [الصافات: ١٢٩، ١٣٠].

والمقصود هنا؛ أن هذا السلام المأمور به خصوصا هو المشروع في الصلاة وغيرها عموما على كل عبد صالح، كقول المصلي: «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين». فإن هذا ثابت في التشهدات المروية عن النبي صلى الله عليه وسلّم كلها، مثل حديث ابن مسعود الذي في الصحيحين، وحديث أبي موسى، وابن عباس، اللّذين رواهما مسلم، وحديث ابن عمر، وعائشة، وجابر، وغيرهم، التي في المساند والسنن «١».

وهذا السلام لا يقتضي ردا من المسلم عليه، بل هو بمنزلة دعاء المؤمن للمؤمنين واستغفاره لهم، فيه الأجر والثواب من الله، وليس على المدعو لهم مثل ذلك الدعاء، بخلاف سلام التحية؛ فإنه مشروع بالنص والإجماع في حق كل مسلم، وعلى المسلّم عليه أن يردّ السلام ولو كان المسلّم عليه كافرا، فإن هذا من العدل الواجب، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلّم يرد على اليهود إذا سلموا عليه بقوله:

«وعليكم» «٢». وإذا سلّم على معيّن تعيّن الرد «٣»، وإذا سلّم على الجماعة؛ فهل ردّهم فرض على الأعيان أو على الكفاية؟ على قولين مشهورين لأهل العلم «٤».

والابتداء به عند اللقاء سنة مؤكدة، وهل هي واجبة؟ على قولين معروفين وهما قولان في مذهب أحمد وغيره «٥».

وسلام الزائر للقبر على الميت المؤمن هو من هذا الباب، ولهذا روي أن الميت


(١) انظرها في «صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلّم» لمحدث العصر العلامة محمد ناصر الدين الألباني- رحمه الله-.
(٢) انظر «صحيح البخاري» (٦٢٥٦، ٦٢٥٧، ٦٢٥٨، ٦٩٢٨) و «صحيح مسلم» (٢١٦٣).
(٣) دليل ذلك قوله تعالى: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها [النساء: ٨٦].
ومن السنة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز». أخرجه مسلم (٢١٦٢).
ولإجماع الأمة على ذلك، كما حكاه «ابن العربي» في «أحكام القرآن» (١/ ٤٦٧) والقرطبي في «تفسيره» (٥/ ٢٩٨) والحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (١١/ ٦).
وانظر «شرح صحيح مسلم» للنووي (١٤/ ١٤٠) و «نهاية المحتاج» (٨/ ٤٧).
(٤) قال الإمام النووي في «شرحه على مسلم» (١٤/ ١٤٠): «وإن كانوا جماعة؛ كان رد السلام فرض كفاية عليهم، فإن ردّ واحد منهم سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلهم أثموا كلهم، وإن ردّوا كلهم فهو النهاية في الكمال والفضيلة».
ولتفصيل المسألة؛ انظر «فتح السلام في أحكام السلام» لمساعد بن قاسم الفالح، نشر مكتبة العبيكان بالرياض- ص ٢٩ - ٤٢.
(٥) انظر «فتح السلام» ص ٢٩. وانظر «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي (٥/ ٢٩٨) حيث نقل الإجماع على أن الابتداء بالسلام سنة مرغّب فيها. وكذلك النووي ذهب إلى هذا في «شرح مسلم» و «الأذكار».
وحكاه الحافظ في «الفتح» (١١/ ٤) أيضا.

<<  <   >  >>