للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يردّ السلام مطلقا «١». فالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلّم في مسجده وسائر المساجد وسائر البقاع؛ مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، وأما السلام عليه عند قبره من داخل الحجرة فهذا كان مشروعا لما كان ممكنا بدخول من يدخل على عائشة، وأما تخصيص هذا السلام أو الصلاة بالمكان القريب من الحجرة؛ فهذا محلّ النزاع.

وللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال: منهم من ذكر استحباب السلام أو الصلاة والسلام عليه إذا دخل المسجد، ثم بعد أن يصلّي في المسجد استحب أيضا أن يأتي إلى الحجرة ويصلّي ويسلم كما ذكر ذلك طائفة من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، ومنهم من لم يذكر إلا الثاني فقط. وكثير من السلف لم يذكروا إلا النوع الأول فقط.

فأما النوع الأول فهو المشروع لأهل البلد وللغرباء في هذا المسجد وغير هذا المسجد.

وأما النوع الثاني فهو الذي فرّق من استحبه بين أهل البلد والغرباء، سواء فعله مع الأول أو مجردا عنه، كما ذكر ابن حبيب وغيره، إذا دخل مسجد الرسول صلى الله عليه وسلّم قال: بسم الله وسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، السلام علينا من ربنا، وصلى الله وملائكته على محمد، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وجنتك، وجنّبني من الشيطان الرجيم. ثم اقصد إلى الروضة، وهي ما بين القبر والمنبر، فاركع فيها ركعتين قبل وقوفك بالقبر، تحمد الله فيهما، وتسأل تمام ما خرجت إليه، وتسأل العون عليه، وإن كانت ركعتاك في غير الروضة أجزأتاك، وفي الروضة أفضل. وقد قال صلى الله عليه وسلّم: «ما بين قبري ومنبري على ترعة من ترع الجنة» «٢». ثم تقف بالقبر متواضعا وتصلّي عليه


(١) ولم يصح هذا، وقد أحسن المصنف- رحمه الله- بإيراده بصيغة «روي» التي تفيد التمريض.
(٢) حديث صحيح مروي عن جمع من الصحابة.
وأخرجه البخاري (١١٩٥) ومسلم (١٣٩٠) من حديث عبد الله بن زيد.
وأخرجه البخاري (١١٩٦) ومسلم (١٣٩٠) من حديث أبي هريرة.
ولفظه عندهما: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة».
وأما اللفظ الذي ذكره المصنف- رحمه الله- فقد قال المحدث الألباني في كتابه الماتع «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد» ص ١٣٥ - ١٣٦.
«وأما اللفظ المشهور على الألسنة: «قبري»، فهو خطأ من بعض الرواة، كما جزم به القرطبي وابن تيمية والعسقلاني وغيرهم، ولذلك لم يخرج في شيء من الصحاح، ووروده في بعض الروايات لا يصيّره صحيحا، لأنه رواية بالمعنى. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «القاعدة الجليلة» (ص ٧٤) بعد أن ذكر الحديث: «هذا هو الثابت في الصحيح، ولكن بعضهم رواه بالمعنى فقال: «قبري» وهو صلى الله عليه وسلّم حين قال هذا القول لم يكن قد قبر صلى الله عليه وسلّم، ولهذا لم يحتجّ به أحد من الصحابة حينما تنازعوا في موضع دفنه، ولو كان هذا عندهم لكان نصا في محل النزاع، ولكن دفن في حجرة عائشة، في الموضع الذي مات فيه، بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه» اه.-

<<  <   >  >>