طرق جديدة أمام الشعوب التي زلزلتها الأزمة فأيقظتها، وتبددت أوهامها فاتجهت عندئذٍ إلى الواقع المرير.
لقد استهلت هزيمة فلسطين عهداً جديداً في النهضة الإسلامية، فلم تعد الخرافات قائمة أمام واقع انبلج، وقد كان مستوراً بهالة من الفلسفات العاطفية. وبذلك تلقى الذُّهان الرهيب (ذهان السهولة)، ضربة قاتلة، فخلا الضمير المسلم إلى نفسه، يفكر في أسباب ضعفه، أسباب ضعف العملاق الذي تحمله قدمان من صلصال، والذي دفعته الجامعة العربية دون ما اكتراث ليواجه دويلة (إسرائيل)، فقدمت بذلك إلى العالم الحديث مشهد ملحمة جديدة، تحكي الصراع بين داود وجالوت.
لقد استجمع الآن الرجل المسلم، وقد كان من قبل مخدوعاً بما يقال عن القوانين، وعن هيئة الأمم المباركة، وقد أصم أذنيه ما سمع عن هزيمة (جالوت)، وفي هذا الاجتماع خير كثير.
ومن آية ذلك أننا رأينا أحد المثقفين السوريين- وقد أذهلته صدمة الواقع المرير، وطاح بصوابه هذا الانتصار المهين الذي أحرزته إسرائيل- يحاول أن يفهم وأن يفهمنا (الأسباب العميقة للفوضى)، وكانت محاولته جديرة أن نذكرها هنا لأنها تمثل أعراض فكر جديد في العالم الإسلامي، ودليل منعطف جديد في التاريخ. وإلى القارئ ما كتبه الدكتور ناظم القدسي بعد أشهر من انتصار إسرائيل:
((إن الأسباب العميقة لكارثة فلسطين ليست أسباباً عسكرية وسياسية فحسب، فلقد كشفت الهزيمة عن نقائصنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، تلك التي تعاني منها بلادنا، وليس يكفي أن نعرف أخطاءنا التي وقعنا فيها، وأن نكشف عن نقائصنا، بل المهم أن نفيد منها درساً لعلاجها،