الآن نبرة قلبية رائعة، وتتجه إلى التعمق في امتحان ضميرها، والندم على ما فاتها، وهو ما يتجلى بوضوح في مقالة رجل الدولة السوري، وفي كلمات الشاب المراكشي، إنها ولا ريب فكرة (الواجب) الجديد، التي تعد منذئذٍ عاملاً سياسياً جوهرياً، فنحن ندرك الآن شيئاً فشيئاً، أن واجبنا هو أن نبذل جهوداً ضخاماً في جميع الميادين، وأن نقوم بكثير من الواجبات لكي نصل إلى حقوقنا، التي تصبح حينئذٍ مشروعة.
فهذه إذن هي نهاية (ذهان السهولة)، نهاية ما كنا نطالب به بوصفه (حقاً) من حقوقنا، لقد فهمنا أخيراً أن المحراث لا يوضع أمام الثور، وأنه لا يتحرك بفضل الخطابة الرنانة الطائرة، أو الحماسة الوطنية الدافقة.
وهكذا تحول العالم الإسلامي عن طريق السهولة الذي اتبعه حيناً من الدهر، وبدا أنه قد سلك إلى نهضته سبيلاً جديدة، تدفعه في هذا السبيل إرادة لا ترهب العقبات، بل تقهرها، وهي بذلك تقضي على ذهان آخر هو (ذهان الاستحالة).
والواقع أن خرافة هذا الذهان تختفي تماماً متى قمنا بأقل الجهود تواضعاً، لأن لكل جهد ثمرته في الميدان الاجتماعي، ومتى تجمعت الثمرات بصورة إيجابية، وجدنا أن أداء الواجب أعظم أثراً من المطالبة (بالحق)، وبذلك تتكون لنا نفسية اجتماعية، لاحت لنا بواكيرها في الجزائر خاصة؛ ولما كانت الأفكار بحكم طبيعتها تعد أحداثاً في حيز القوة، فينبغي إذن أن نتوقع رؤية ما وصفناه للقارئ، وهو يتجسد في أشكال اجتماعية مُحَسَّة، وفي البيان التالي الذي نقتطفه من إحدى صحف الجزائر شاهد على ما نقول، فربما اعتادت هذه الصحيفة دون ريب على منطق (السياسة العليا) أكثر من أن تهتم بأحداث التغيير الاجتماعي الذي نحتاج إليه فعلاً، فلقد نشرت هذا البيان دون أدنى تعليق، ودون أن تشعر بأنها إنما تعلن (نشرة انتصار) على (ذهان الاستحالة):