الأخلاقية، فلم تعد تعرف شيئاً من الخير للإنسانية فيما وراء حدود عالمها الذي لا يمكن فهمه إلا بلغة المادة.
وما كان لحضارة أن تقوم إلا على أساس من التعادل بين الكم والكيف، بين الروح والمادة، بين الغاية والسبب، فأينما اختل هذا التعادل في جانب أو في آخر كانت السقطة رهيبة قاصمة.
والحضارة الإسلامية، قد فقدت تعادلها يوم فاتها أن ترعى سلامة هذه العلاقة بين العلم والضمير، بين العناصر المادية والوجود الروحي، فغرقت في هاوية الصوفية الخالصة، في فوضى المرابطين التي سببت سقوطها.
وها نحن أولاء اليوم نشهد تجربة أخرى تنتهي إلى اختلال آخر: فالحضارة الغربية التي فقدت معنى الروح تجد نفسها بدورها على حافة الهاوية.
فنهضة العالم الإسلامي إذن ليست في الفصل بين القيم، وإنما هي في أن يجمع بين العلم والضمير، بين الخلق والفن، بين الطبيعة وما وراء الطبيعة، حتى يتسنى له أن يشيد عالمه طبقاً لقانوق أسبابه ووسائله، وطبقاً لمقتضيات غاياته.
إن الذي يرد إلى العالم شبابه، لا بد أن يكون (إنساناً جديداً)، قادراً على حمل مسؤوليات وجوده مادياً وروحياً، ممثلاً وشاهداً؛ وإنسان ما بعد الموحدين إنسان هرم، في طريقه إلى الفناء. ولكن العالم الإسلامي على الرغم من ذلك لديه قدر كبير من هذا الشباب الضروري.
والواقع أنه، على الرغم من قابليته للاستعمار، قد احتفظ بمعنى جوهري، هو معنى القيمة الخلقية، وهو ما ينقص الفكر الحديث الشائخ. ولكنا في الوقت نفسه نجد هذا العالم الإسلامي، يخطو في طريقه إلى تجديد نفسه بفضل ما تحصل في يديه من قيم حديثة، فهذا الامتزاج بين الروح والمادة، الذي يتم الآن في بطء، سيسرع دون ريب، كما تعود مواجهة المشكلات بفكر علمي، ذلك