الفكر الذي أصبح الآن عامل تعجيل بحركة التاريخ، فالمنهج يختصر المراحل، والتجربة ترينا أي هذه المراحل لا لزوم له.
لقد قطعت اليابان- القديمة المتخلفة- التي فتحت أبوابها عام ١٨٦٨ للكومودور بيري في خطوة واحدة، المسافة التي كانت تفصلها عن القرن العشرين، ولكنها قطعتها على أصول فنية ومنهجية، فضبطت ساعاتها، واستخدمت بعلمها الإنسان والتراب والوقت.
وعلى العالم الإسلامي بدوره أن يتخطى المدى الذي يفصله عن التقدم، وذلك بتنظيم استغلال وسائله وضروب نشاطه طبقاً لمنهج تايلور.
لقد أكدت له قضية فلسطين تلك الضرورة الملحة، وأرشدته أيضا إلى طرق جديدة، ويبدو أنه على وشك أن يبدأ تجربة جديدة آخذاً في حسابه مساوئه وأخطاء ماضيه، التي بدونها يفقد درس التاريخ، وخاصة تاريخ السنوات الأخيرة كل معنى، ومرحلة كالعصبية إلى مراحل كثيرة كانت تبدو ضرورية، لم تعد سوى نزعة قديمة فاتها ركب التاريخ.
فالعالم الراهن ثمرة التحلل المحتوم لعالم مستعمر وقابل للاستعمار، وهو تحلل عرفنا قصته منذ عشر سنوات خلت، ولكن هذا التحلل قد كشف عن الاتجاه العميق لحركة التاريخ، فقد كشف من ناحية عن وحدة المشكلات والحاجات في العالم، وأبان من ناحية أخرى عن ضرورة إعادة تنظيم العلاقات بين الشعوب. فكأنما قد أدان التحلل الراهن حركتي الاستعمار والقومية على سواء، فالاستعمار لم يعد متفقاً مع شرائط الوجود الدولي، الذي لا يمكن أن يكون أساسه القوة، بل لقد أدانه الضمير العالمي رسمياً باعتباره علة الاضطرابات والقلاقل في العالم، بل باعتباره سبب التخلف والحرب.
لقد استطاع الميثاق الاستعماري أن يتآمر على حياة المستعمَر، وعلى ضميره،