وعلى وجوده ذاته، ومع ذلك فإن المتمدنين يغضون أبصارهم عما يقارف، وليس أمام الدبلوماسية الدولية في الظروف الراهنة إلا أحد أمرين: التمسك بالميثاق الاستعماري، أو العمل بالميثاق الإنساني، فما يستطيع العالم أن يستهل عهداً إنسانياً وهناك مستعمِر ومستعمَر.
والعالم الآن في طريقه إلى تحقيق وحدته، في طريقه إلى التكامل والتشارك في الموارد وفي الحاجات، فهو بذلك ماض إلى تقرير اتجاه التاريخ عن طريق المنظمات، وبدأت النزعة القائلة بحرية الإنتاج والتجارة، تخلي مكانها ليحتله نظام عقلي يتجه بالإنسانية نحو التوافق العام، وليس هذا طبقاً لخطط يخترعها الخيال، بل بحكم الضرورات الحيوية الصارمة. فعلى العالم الإسلامي إذن أن يأخذ في حسابه هذه الخطوة التاريخية الحاسمة في تطوره الخاص، فإن الأشكال التي يتنادى عليها الناس، والتي تحمل عنوان (العصبيات) بمختلف ألوانها قد فات أوانها الآن تماماً، كما فات أوان (القومية الأوربية) ألتي أرادوا بعثها في استراسبورغ.
ولا ريب أنه ليس من حقنا أن نتفاءل أو أن نتشاءم فيما يتصل بمستقبل السلام، ولكنا نلاحظ أن الدول فيما يبدو لم تفهم معنى المرحلة الحاسمة التي اجتازها العالم، والتي يعبر عنها عنوان كتاب مثل (العالم واحد)، على الرغم من أن هذا الكتاب لم يعالج سوى الجانب الجغرافي من المسألة، وهو ما قد يبديه رجل يجتاز في بضعة أيام ستين وثلاث مائة درجة في الكرة الأرضية المسلحة، كما فعل (فاندال فلكي)(١) مؤلف الكتاب. بيد أن وحدة العالم كانت وما تزال الظاهرة الجوهرية في التاريخ، على حين لم تكن التقسيمات السياسية سوى أعراض زائلة وظواهر سطحية، فإذا غاب هذا عن فكر اصطبغ بالصبغة الديكارتية، فما ذلك إلا لأن الثقافة التي صاغته تجعل بداية التاريخ يوم تأسست