للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

روما، كما تجعل بداية الفكر في مجامع أثينا. وإنه لما يدعو إلى العجب؛ أن نرى كبار المفكرين الأوربيين، يبدون عاجزين عن أن يتخطوا بفكرهم ما وراء الفكر الهليني، فإذا ما تجاوزوا حدود (الإنسانيات الإغريقية اللاتينية) أصبحوا وكأنهم يكتشفون كوكباً آخر.

ومع ذلك فيجب أن ننوه هنا باتجاه جديد ظهر في كتابات (جينون) (١) و (هكسلي)، يدرس الفكر الصوفي في العالم درساً منهجياً، كما يكشف عن أصوله المشتركة، ولا شك أن هذه الجهود جزئية وما زالت حديثة، بل أكثر من ذلك نجدها لا تمس الواقع إلا في قمته، فلا يمكننا أن نحدد أثرها في العلاقات اليومية، والصلات المباشرة بين الناس، وبين الشعوب بعضها مع بعض.

ومع ذلك فإن ما ذكرناه من أحداث يدعو الإنسانية إلى حل مشكلة اختيارها. وأية كانت وجهة الأمر، فإن العالم الإسلامي- بحكم استعداداته الأخلاقية الموروثة- في منتصف الطريق، متقدم على الشعوب الأخرى إلى العالم الجديد. ولا شك أن إنسان ما بعد الموحدين مهما بدا من تأخره يعد خيراً من الإنسان المتحضر في تحقيقه للشروط النفسية للإنسان الجديد، أعني (للمواطن العالمي)، أو بحسب التعبير الملهم الذي أطلقه ديستويفسكي: (الإنسان العالمي). ولا جدال في أنه بحاجة إلى أن يبلغ المستوى المادي للحضارة الراهنة، فيستخدم كل مواهبه وقدراته على التكيف مع الوضع الزمني للعصر الذري، وهو يتسم في حقيقته بطابع الفكر الفني، ولكن دور إنسان ما بعد الموحدين سيظل فوق ذلك كله روحياً يكفكف من غلواء الفكر المادي، كما يهذب من تطرف الأنانية القومية.

لقد سبق لإقبال، وهو يخط للعالم الإسلامي طريق نهضته الروحية، أن طالبه بصبغة في التفكير تمكنه من النظر إلى الأشياء والتنظيمات ((لا من حيث


(١) مفكر فرنسي عاش في مصر ومات ودفن بها.

<<  <   >  >>