للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

نفعها أو ضررها الاجتماعي الذي تعود به على بلد أو آخر، بل من حيث الأهداف العظمى التي يسعى إليها مجموع الإنسانية)) .. فهذا النوع من الفكر الميتافيزيقي الذي قال به إقبال قد يصطدم بالأذهان ذات النزعة العقلية، تلك التي ترى أن كل ما لا يدخل في نطاق المادة لا يدخل في نطاق العقل. فالمشكلة على هذا تستوجب المواجهة؛ إذ هي تتصل بموقف الإنسان في العالم الجديد، كما تتصل بمستقبل الحضارة.

إن من الأنسب هنا أن نطبق وجهة النظر الكونية لكي ندرك المعنى الكلي للتاريخ، وها هو ذا المؤرخ الفرنسي الكبير (غوستاف جيكييه) بعد أن درس قطاعاً من التاريخ المصري يبلغ أربعة آلاف عام يخرج بهذه النتيجة المعبرة، قال:

((لقد لاحظنا في تاريخ هذا الشعب أن الحضارة منذ خط لها طريقها سلكته دون أن تفارقه البتة، بل لم تفلح الانقلابات السياسية أن تخرجها أو تنحرف بها عن الطريق الصاعد الذي قامت عليه، ومع ذلك فإن الأزمات التاريخية الكبرى تسمح لنا بتحديد بعض المراحال في تاريخ الحضارة، وتوحيدها في عصور، لندرك إدراكاً جيداً ضروب التقدم التي حققتها الحضارة خلال القرون)) ... (١)

فهذه إذن نظرة يبدو أنها تضم نوعين من الأحداث المتمايزة، وهي تشمل قطاعاً كبيراً من التاريخ، فهي تضم من ناحية، حضارة ((تتابع سيرها في طريق صاعد)) ومن ناحية أخرى، (انقلابات سياسية) بكل ما يتصل بها من مجموعات بشرية، وبكل ما حدث خلالها من انتصارات، ومهرجانات، وما ضمت من أحداث ميلاد وممات، ومن آلام.

فهناك من جانب خط متوافق يعبر آلاف السنين دون أدنى معوق. وهناك


(١) غوستاف جيكييه Histoire de Civilisation Egyptienne

<<  <   >  >>