للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

من جانب آخر صورة المأساة الإنسانية بكل انقلاباتها. هذا التمييز الجلي بين نوعين من الأحداث لا يفسد إلى حد كبير وحدتها، فإن الرابط بينهما ذو صبغة جدلية: وهو أن الإنسان هو الشرط الأساسي لكل حضارة، وأن الحضارة تؤكد دائماً الشرط الإنساني، وهكذا تتعقد أبسط الأحداث كلما أدركناها في توقعها الإنساني الشامل، ولكنه تعقد ذو مغزى، فالزواج مثلاً حين يحدث في مدينة ما يكون حدثاً معتاداً، فمن الواضح أن له معنى بالنسبة للزوجين وأسرتيهما. ولكن له أيضاً معنى بالنسبة للسائل المتكفف، فإن التقاليد الإسلامية تتخذ من الزواج فرصة ليظفر السائل بأكلة تحفظ وجوده الموقوت يوماً كاملاً، فهكذا رأينا أن الحديث الواحد قد يتصل بوجود كثيرين، كما يتصل بأحداث متمايزة مختلفة.

ولقد تكون الروابط دقيقة أحياناً: فقد يموت رجل ما بالجزائر؛ لأن رجلاً آخر قام أو لم يقم بشيء معين في ذلك اليوم بسيدني. وهذه الملاحظة تزداد صدقاً بقدر ما تزداد الحياة تعقداً، وكلما تجاوزت إطار الفرد، أو خرجت عن حدود المدينة أو الأمة.

وهناك بعض الأحداث التاريخية التي تتجاوز نطاق التفسير العقلي البسيط القائم على فكرة الإنسان السريعة، وعلى المنفعة المادية أو الأخلاقية أو السياسية، بل يبدو أنها متصلة بنظام غير عقلي، لا يمكن للفكر الديكارتي أن يدرك مضمونه.

والتاريخ يمدنا على ذلك بأمثلة كثيرة:

فقصة (١) حياة تيمورلنك، تمد نطاق التوقع التاريخي المتصل بها إلى ما وراء المصير الإنساني. فإذا ما نظرنا إلى هذه الملحمة نظرة عقلية، فإن معنى ذلك أن


(١) هذه الفقرة تزيد وضوحاً ما سبق أن قاله المؤلف عن الجانب الميتافيزيقي في دراسة التاريخ في الفصل الأول.

<<  <   >  >>