نجمع عناصرها، وأن نربط بينها حسب علاقتها بشخص البطل المحوري. لكنا نلاحظ أن العناصر العقلية المتصلة بالرجل، وبصفاته الشخصية لا تعطينا تفسيراً كافياً شافياً لما قام به، فالواقع أن الرجل لم يكن مجرد جندي يحمل السيف، إذ أن العقيدة الدينية والذوق السياسي، والعبقرية الحربية والإدارية قد جعلت منه شخصية معقدة، ولكنها تامة التحديد.
لقد رأيناه ينقض بسيفه على جيوش الـ Horde d'or (١) التي كانت في طريقها إلى غزو أوربا بقيادة (طغطاميتش Toghtamich) ، ورأينا سيفه الرهيب يهوي مرة أخرى، لا على الصين، وهي من مخلفات جده جنكيزخان، ولا على الهند التي سيغزوها حفيده بابر Baber، وإنما يهوي على رأس الإمبراطورية العثمانية، هنالك حيث جمع السلطان بايزيد جيشاً من خمس مائة ألف لغزو (فينا)، فلماذا اتخذ تيمورلنك هذا المسلك الغريب .. ؟
لقد كان لديه إذا ما غزا الصين دواع منها: الحق الملكي، والطموح، وسهولة الغلب دون غرم، والعاطفة الدينية، أعني جميع العوامل الإنسانية التي تقوم عليها سياسة معينة أو حملة حربية، كانت جميعها في كفة واحدة من الميزان، ومع ذلك فلقد رجحت الكفة الأخرى حين اتجه إلى الجهة الأخرى، فقد هزم الـ Horde d'or، كما هزم جيش بايزيد، الأمر الذي يدفعنا إلى أن نتساءل عن الأقدار التي استطاعت أن تلعب هنا دوراً يؤدي إلى رجحان ميزان التاريخ على هذه الصورة .. ؟
وكأن هذه الصفحة من التاريخ، هي التي أراد ((غيزو)) أن يعرضها عرضاً سريعاً، عندما سجل في مستهل القرن الماضي هذه التأملات الغريبة، قال: ((هكذا يتقدم الإنسان في تنفيذ خطة لم تساور خياله لحظة، بل لم يعرفها قط،
(١) مملكة أسسها المغول في العصور الوسطى، وسيطرت على سيبريا وجنوب روسيا، وانتهت في القرن الخامس عشر.