للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخليفة أحيانا يوصد الأبواب أمام حرية الاتجاه العلمي. ويحاول إكراه ما وصلت يده إليه من العلماء على اعتناق مذهب يرون بطلانه، وشبهة أوضحت لهم الأدلة والنصوص ضلال من انتحلها أو دعا إليها.

ومع هذا تستمر مسيرة هؤلاء العلماء فوق الصخور ومن خلال الأشواك.

لأن حكمة الله جلّ ثناؤه اقتضت ذلك: إذا أراد الله إعزاز شرعه قيض له من يناوئه. وبعد فإن رصدا عاجلا لشيوخ أبي عبيد الذين تلقى عنهم الحديث والتفسير واللغة والقراءات ليعطي صورة واضحة عن المستوى العلمي الذي كان علماء ذلك العصر يرفلون في حلله.

[٤ - مكانته وثناء العلماء عليه]

إن لأبي عبيد من حصافة الرأي ورجاحة العقل وبعد النظر والتمكن من العلم ما جعله يحظى بالمنزلة الرفيعة لدى جلسائه وندمائه ومن عاصره من الولاة والأئمة والحفاظ، ومن وصلت إليهم مصنفاته وسيرته.

قال أبو الحسن النحوي: كان طاهر بن الحسين حين مضى إلى خراسان نزل بمرو فطلب رجلا يحدثه ليلة فقيل: ما هاهنا إلا رجل مؤدب فأدخل عليه أبو عبيد القاسم بن سلام، فوجده أعلم الناس بأيام الناس والنحو واللغة والفقه، فقال له: من الظلم تركك بهذا البلد، ودفع إليه ألف دينار.

ولما عمل أبو عبيد كتاب: غريب الحديث وعرضه على عبد الله بن طاهر استحسنه وقال: إن عقلا بعث صاحبه على عمل مثل هذا الكتاب لحقيق ألا يحوج إلى طلب المعاش فأجرى له عشرة آلاف درهم في كل شهر (١).


(١) انظر: إنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطي ٣/ ١٣، ١٥، ١٦، تاريخ بغداد ١٢/ ٤٠٥، ٤٠٦. قلت: ولا يظن ظان أن أبا عبيد كان يمتهن شرف العلم بأخذ العطايا على تصنيفه إذ قد روى

<<  <  ج: ص:  >  >>